أخوية  

أخوية سوريا: تجمع شبابي سوري (ثقافي، فكري، اجتماعي) بإطار حراك مجتمع مدني - ينشط في دعم الحرية المدنية، التعددية الديمقراطية، والتوعية بما نسميه الحد الأدنى من المسؤولية العامة. نحو عقد اجتماعي صحي سليم، به من الأكسجن ما يكف لجميع المواطنين والقاطنين.
أخذ مكانه في 2003 و توقف قسراً نهاية 2009 - النسخة الحالية هنا هي ارشيفية للتصفح فقط
ردني  لورا   أخوية > فن > المكتبة > قرأت لك

إضافة موضوع جديد  إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 07/01/2008   #217
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي




ــ حوار مع الروائي حنا مينة (1976):
الأدب لا يولد من التعقيدات الشكلية
اجرى الحوار: عز الدين المناصرة

في كانون الاول (ديسمبر) 1975، قررت كمحرر ثقافي لمجلة فلسطين الثورة في بيروت، تغذية القسم الثقافي بحوارات مع مثقفي سوريا، فأجريت سلسلة من الحوارات كان من بينها حوار مع الروائي حنا مينة والآخر مع أحد رواد القصة القصيرة في سوريا سعيد حورانية. وكان الهدف هو إبراز تعاطف مثقفي سوريا مع الثورة الفلسطينية، أكثر من الحوار مع الكاتب حول تجربته الإبداعية الخاصة التي أفردت لها دوارات نشرت آنذاك في صحف لبنانية. ولهذا انصبت الأسئلة حول علاقة الكاتب بالفكر الثوري آنذاك.

كنت التقيت الأستاذ حنا مينة سابقاً بصفتي شاعراً من شعراء الثورة وامتدح الرجل خصوصيتي الشعرية، ملاحظاً أنني مستقل عن الزميلين درويش والقاسم في أساليبي الشعرية وخصوصاً اتجاهي نحو (القصيدة الحضارية). لكن زيارتي له في منزله بدمشق كانت زيارة صحافية فما ان اتصلت به هاتفياً حتى أصر علي الحضور الفوري. واستقبلني الرجل ببشاشته المعهودة وسألني عن آخر مجموعاتي الشعرية. لكنني فاجأته بالقول (جئتك صحافياً) فضحك وقال: (اللهم اجعله خيرا!). واستمر الحديث عن حياته الشخصية وعن عائلته وأولاده بناء علي تحريك لذاكرته مني. ولم أسجل لكي يكون مدخلاً طبيعياً للحوار. ثم تناقشت معه حول شخوص رواياته التي كنت قد قرأتها جميعاً. ثم قال: هات ما عندك.

وفي ما يلي النص الكامل للحوار كما نشرته مجلة فلسطين الثورة في العدد السنوي الخاص (1/1/1976):
حنا مينة، روائي عربي معروف، من أعماله الروائية والقصصية: المصابيح الزرق ــ الشراع والعاصفة ــ الثلج يأتي من النافذة ــ الياطر ــ بقايا صور ــ (مَن يذكر تلك الأيام ــ بالاشتراك مع الدكتورة نجاح العطار)، وسيصدر له قريباً بالاشتراك أيضاً مع نجاح العطار كتاب بعنوان أدب الحرب.


التقيته في منزله بدمشق ووجهت له هذه الأسئلة. وقد أجاب عليها مشكوراً بما يلي:

* برز الأدب المقاوم أثناء معارك الشعوب في سبيل حريتها: فرنسا، الاتحاد السوفييتي مثلاً، كيف لعب هذا الأدب دوره أثناء المعارك؟ وهل تعتقد ان لهذا الأدب صفة الشمولية والديمومة؟ هل يمكن تعداد بعض النماذج؟

ــ عندما تنشب المعارك، بين الشعوب وأعدائها من المحتلين، يصبح الإنسان في قلبها تصبح هي أيضا في قلبه. تصبر رؤياه الأساسية، لأنها أساس الواقع الذي يعيشه. وفي هذه الحال، ليس من كاتب أو فنان أو إنسان بقادر علي ان يكون خارج الإطار، وان تمر به معارك الحرية وهو في محترفه أو مكتبه أو برجه العاجي.
وقد لعب الأدب دوره الكبير خلال الحرب العالمية الثانية، في المقاومة التي شنتها شعوب العالم ضد النازية الهتلرية. ويسمي الناقد غالي شكري أدب الحرب بأنه العتاد الروحي الثقيل الذي يملك وحده صياغة وجدان المقاتل وهذا العتاد الثقيل كان له شأن كبير في المقاومة وفي النصر الذي تحقق علي النازية، حتى أن تاريخ الحرب العالمية الثانية لا يمكن، بأية حال، فصله عن تاريخ الأدب الذي كتب خلالها.

وقد منح أدب المقاومة في الحرب، من خلال إيليا اهرنبورغ، الكاتب السوفييتي، ارفع الأوسمة واكبر التقدير. ففي 21 آب (أغسطس) 1942، وجه قائد احدي الفرق السوفييتية المدرعة الأمر اليومي التالي الى فرقته: نظراً للشعبية الواسعة التي يتمتع بها الكاتب إيليا اهرنبورغ في أوساط الجنود، وللأهمية السياسية الكبرى التي تمثلها مقالاته المتألقة بالصمود والشجاعة وحب الوطن والاستهانة بالموت، واستجابة لرغبة منظمة الشبيبة في الفرقة، فإن الأوامر قد صدرت بتسجيل اسم الكاتب في لائحة الشرف في الفرقة، في الفوج الاول المدرع.
وهذا التكريم لأدب المقاومة في الحرب، وباختصار لأدب الحرب، كتابه، سنجد تعبيراً آخر له للشاعر السوفييتي سوركوف ان اخلص شهادة يحصل عليها الكتاب من قرائهم في زمن المعركة، هي هذه القصاصات التي توجد في جيب إنسان الحرب. فإذا ما كتب ان زميله في المعركة سقط صريعاً وكان في جيب سترته قصاصة مكتوبة بالدم، وإن هذه تحمل قصيدة لأحد الشعراء، هذا الواقع هو أروع شهادة بالنسبة لإنسان يكتب من أجل وطنه.
الأدب له صفة الشمولية تماماً، وقد ناقشت الدكتورة نجاح العطار في مقالها (تشرين والأدب) هذه النقطة مناقشة جيدة، خلال الأيام الأولي، عن دور الأدباء في المقاومة وعما إذا كان ثمة تعارض بين القول والفعل، وذلك علي الكلمة اثر التي وجهها توفيق الحكيم الى وزير الثقافة وطلب فيها أي عمل يفيد المعركة أكثر، وقد نفت الدكتورة العطار أي تعارض بين الكلمة والفعل، واستشهدت بذلك الصدد بقول شاعر المقاومة بول ايلوار: ينبغي ان تكون القصيدة متخذة معني قيما، فمن الضروري ان تتوافق المناسبة مع أكثر رغبات الشاعر، مع قلبه وفكره، ومع عقله.. علي المناسبة أن تتطابق والمناسبة الداخلية، كما لو ان الشاعر نفسه هو الذي أوجدها، فتصبح بهذا حقيقة كالزهرة التي يفتقها الربيع، كفرح الحياة ضد الموت. ان الشاعر يتبع فكرته، ولكن هذه الفكرة تقود الى ان يكتب نفسه علي الخط البياني للتقدم الإنساني.

ثمة نماذج كثيرة ومعروفة للأدباء الفرنسيين والسوفييت والأدباء من مختلف الشعوب، عن أدب المقاومة، يمكن لمن
يشاء ان يرجع إليها فيتأكد من شمولية وديمومة هذا الأدب.


* أثناء المعارك الوطنية ينبثق فن يتسم بطابع النضال. هل تعتقدون أن هذا الفن يحقق المعادلة بين التأثير الجماهيري والنضج الفني؟

ــ نعم، وبكل تأكيد، واحسب ان الجواب الأول قد اعطى الرد أيضاً علي السؤال الثاني، ان روايات مثل وداع للسلاح لهمنغواي و الدون الهادئ لشولوخوف و أفول القمر شتاينبك، وقصائد ايلوار واراغون وفابتساروف وتفاردوفسكي وكروسمان وسيمونوف وعشرات غيرهم، تقدم الدليل علي ان عطاءاتهم الأدبية حققت معادلة التأثير في الجماهير والنضج الفني.

* ما هو الأثر الذي أحدثته الثورة الفلسطينية في إنتاج الكتاب العرب؟ ما هي ايجابيات تجربتهم وسلبياتها. وما هي الوسيلة التي تكون أكثر فعالية في العلاقة الجدلية بين الثورة والأثر الفني ؟

ــ كان للثورة الفلسطينية أدبها الثوري الفلسطيني، وهذا الأدب أثر علي مجمل الأدب العربي منذ أواسط الستينيات وما يزال. ان أدب المقاومة في الأرض المحتلة وخارجها هو أدب الثورة الفلسطينية، ولكن قبل أن تقوم هذه الثورة وتتجسد المقاومة فعلاً، ما كان يمكن أن يكون ثمة أدب مقاوم. ولقد ارتفعت نبرة هذا الأدب حتى غطت كل النبرات الاخري في الأدب العربي، وكانت كمية أدب المقاومة، وخاصة الشعر، ومن قبل الشعراء الفلسطينيين في الأرض المحتلة، وفيرة، باهرة، فاضت عن أوعيتها لتغدو زيتا ملتهبا في أوعية الكتاب والشعراء العرب، وصار التعبير عن المقاومة في الأدب هماً أدبياً بالنسبة للجميع، وإن ظل، من حيث النوع، أدب الكتاب الفلسطينيين في الأرض المحتلة هو الأرفع، وصاحب التأثير الأنفذ، والخميرة التي ستشيع النسغ الخميري في العجين كله، ليكون منه هذا الخبز المقدس لأدب المقاومة العربي كله.
أما الحديث عن ايجابيات وسلبيات أدب المقاومة الفلسطيني فلا يمكن الكلام عنه في سطرين، لذلك لن أجيب علي هذا الشطر من السؤال، غير أنني أقول ان إيجابياته أكثر من سلبياته، خاصة عندما يلتصق بالجماهير ويعبر عن همومها وكفاحها وبطولاتها بلغة شعرية تنبع من عفوية ونضالية الأديب، وليس انطلاقاً من التعقيدات والإشكال الشعرية المقصودة لذاتها، ولإبهار القارئ.
العلاقة بين الثورة والأثر الفني علاقة جدلية من الطراز الأول، هي تمده بالمادة الخام، وهو يمدها بالمعاناة والإلهام أي ان الثورة تكبر وتنفجر بالأدب المعبر عنها، والأدب يكبر ويتفجر بالثورة التي هي مادته.

* كيف يمكننا خلق جبهة ثقافية عربية عريضة مشاركة للثورة الفلسطينية؟ وما هو مفهوم المشاركة؟

ــ مفهوم المشاركة في الثورة أن تكون في قلبها أو علي صلة ما بها، لأنه بدون معاناة الثورة نضالاً وهماً لا يمكن التعبير الأصيل عنها.
ويمكن أن تأخذ منظمة التحرير الفلسطينية المبادرة في الدعوة الى ندوة للبحث في إنشاء جبهة ثقافية عريضة مشاركة للثورة.

* أين تقع مكانة الأدب الفلسطيني في الأدب العربي المعاصر؟

ــ إذا كان المقصود بذلك أدب المقاومة الفلسطيني، فإن مكانه هو الصدارة في الأدب العربي في وقتنا الراهن، وقد كان له الفضل في شق الطريق لهذا النوع من الأدب الذي يحمل جوهر القضية العربية، علي اعتبار ان القضية الفلسطينية هي جوهر القضية العربية أيضاً.

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
قديم 07/01/2008   #218
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


ــ حوار مع القاص السوري سعيد حورانية سنة (1976)
  رد مع اقتباس
قديم 07/01/2008   #219
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


ــ

حوار مع القاص السوري سعيد حورانية (1976)
برع أعداؤنا في إفساد المثقفين الأوروبيين
اجرى الحوار: عز الدين المناصرة


كانت بيني وبينه صداقة فكرية بدأت عام 1970 حين زرت دمشق لأول مرة قادماً من القاهرة حيث كنت أعيش. يومها لم أنسجم معه بسبب وثوقيته في طرح بعض آرائه، إضافة لبعض الإحباط الذي كان يبدو في لغته الحوارية. لكني تراجعت في لقائي الثاني عن موقفي منه حين كنا وحيدين فقد تدفق بصدق ينتقد الأوضاع العربية العامة آنذاك. وانتقدنا معاً (فساد المثقفين العرب)، فأدركت أن الرجل مجروح في داخله. أما في لقائي الصحافي معه عام 1976 فقد استقبلني شاعراً وصديقاً. وتناولت معه طعام الغداء في مطعم علي بابا، وكان يتملص من الحوار الصحافي مازحاً (أنا مشتاق للحديث معك بعيدا عن الحوار الصحافي). وكان بالفعل مقلاً في حوارياته الصحافية. كان من رواد القصة القصيرة في سوريا منذ أوائل الخمسينيات. وكان ينتمي للمدرسة الواقعية. وفي ما يلي نص الحوار الكامل كما نشرته مجلة فلسطين الثورة، في 1/1/1976:

* برز الأدب المقاوم أثناء معارك الشعوب في سبيل حريتها: فرنسا، الاتحاد السوفييتي مثلاً، كيف لعب هذا الأدب دوره أثناء المعارك؟ وهل تعتقدون أن لهذا الأدب صفة الشمول والديمومة؟ وهل يمكن تعداد نماذج من ذلك؟
ــ الأدب الحقيقي ثوري في طبيعته فهو كشف وتجاوز وتعرية، وهو نوع من عدم الرضا عن السكون والنمطية ومظاهر القسوة والبلادة والشر التي تشوه روح الإنسان. فهو ينطلق كالسهم الى الجوهر، وهو بهذا المعني كلمة احتجاج دائمة، وسلاح فعال لأهم درجات الثورة وهي الوعي.

ويتحد هذا الصوت الخاص في الأزمات الكبرى للشعوب، حيث تفقد الأشياء توازنها الظاهري الرزين، وتكتسب معني جديداً، وتتعري حتى العظام كل المفاهيم السكونية.. يتحد بالأنا الجماعية فيكتسب قوة عظيمة تعبر عن روح الشعب الذي لا يستكين روح الصمود والصلابة، ويصبح فائق التأثير مثله مثل المقاتل والسلاح في معركة الموت أو الحياة.

مَن منا لا يذكر قصص غايدار التي كانت تقرأ في الخنادق في الاستراحة بين معركة وأخري فتشد أعصاب المقاتلين؟

ومَن منا لا يذكر الجنود المندفعين الى الموت وهم ينشدون قصيدة سيمونوف الشهيرة: انتظريني فسأعود ؟ ومَن منا لا يذكر قصائد ايلوار واراغون و(الشعراء المجهولين) وأثرها في تشديد المقاومة الفرنسية الباسلة في وجه النازيين؟

إن الأمثلة علي ذلك كثيرة في تاريخ أي شعب يكافح في سبيل حريته، وهي أمثلة تتعدي محليتها الى أفق الإنسانية الواسع لتصبح نشيداً للإنسان المقاتل في كل زمان ومكان، فمعارك الحرية تهم الإنسانية كلها، والأدب الذي يعبر عنها بصدق هو أدب الإنسانية كلها.

* أثناء المعارك ينبثق فن يتسم بطابع النضال، هل تعتقدون أن هذا الفن يحقق المعادلة بين التأثير الجماهيري والنضج الفني؟

ــ ولماذا نضع دوماً هذا مقابل ذاك حتى كأنهما متناقضان؟ هناك أدب رديء يمكن أن يؤثر كالطرب لحظة سماعه ثم ينطفئ كفقاعة، وهناك الأدب الصادق الحقيقي الذي ينبت الأجنحة ويهز الروح ويعمق الوعي، ويفجر الينابيع المحبوسة في أعماق النفس، وهو الذي بقي، وبالتالي فهو الأكثر جماهيرية.. أما إذا قصدت الأثر الجماهيري الآني فهو أدب استهلاكي قد يفيد أحيانا ولكنه ضار في أكثر الأحيان لأنه لا يستهدف إقلاق الروح، وزلزلة المفاهيم والدفع الى معاناة إنسانية أرفع، وإنما يستهوي إرضاء عواطف سطحية قد تدفع الى الانفعال وليس الى الفعل.
لا اعتقد ان هناك أكثر جماهيرية من سمفونية شوستاكوفيش حصار ليننغراد التي عزفت وسط هدير المدافع في المدينة البطلة، أو من لوحة بيكاسو الخالدة غرينكا أو أشعار ماياكوفسكي وبابلونيرودا وايلوار واراغون وكلها لحنت أو رسمت أو قيلت في لهب المعارك أو مستهدفة تحريضا ثورياً أو موقفاً سياسياً واضحاً، فهل أثرت جماهيريتها في قيمتها الفنية الرفيعة؟ لا أظن ان السؤال يحتاج الى جواب.


* ما هو الأثر الذي أحدثته الثورة الفلسطينية في إنتاج الكتاب العرب وما هي ايجابيات تجربتهم وسلبياتها ؟ وما هي الوسيلة التي تكون أكثر فاعلية في العلاقة الجدلية بين الثورة والأثر الفني؟

ــ لا أظن أنني مؤهل للرد علي مثل هذا السؤال الشامل فتلك مهمة النقاد المتابعين، ولكن لابد من بعض الملاحظات: لقد كان لانبثاق الثورة الفلسطينية ثم لحربي حزيران (يونيو) وتشرين الاول (أكتوبر) أثر فعال في (تسييس) الأدب ودفعه الى ان يقترب أكثر من معاناة الجماهير وتطلعاتها.. وهذا بالطبع شيء ايجابي، ولكن الروح البرجوازية الصغيرة بأفقها المحدود وذبذبتها الفكرية المتأصلة أفقدت هذا الاتجاه الصحيح كثيراً من فاعليته، فبدلاً من ان تعمق وعي الإنسان العربي، زادت من نشر الضباب الفكري، والحس الرومانتيكي المريض، والأحكام المتعسفة لعدم انطلاقها من أرضية فكرية صلبة، ثم ان قضية فلسطين أخذت في أكثر نتاج أدبائنا كقضية عاطفية مجردة عائمة في الفراغ من دون التعمق في النواحي الاجتماعية الاخري المتصلة بها والمتفرعة عنها مما نتج عنه حركة تزوير كبري تتقزز لها النفس.

*ما أقل الجيد الذي كتب عن فلسطين إذا أخذنا في الاعتبار هذا السيل العارم الهائل من النتاج شعراً ونثراً، وليس في قصصنا عن فلسطين ما يفوق قصة يائيل دايان (رماد) إلا كتاب محمود درويش النثري الرائع (يوميات الحزن العادي) وقد تقترب من اصالتها رواية لغسان الكنفاني وقصة لأديب نحوي فعلي ماذا يدل ذلك؟

غلبة العاطفة، وهزال المعاناة ورفض المنطق العلمي، وروح البداوة ذات الحساسية المريضة.
إن الوسيلة الحقيقية ذات الفاعلية في العلاقة الجدلية بين الثورة والأثر الفني هي الالتحام الفعلي لا الصوري بقوي الثورة النشطة المقاتلة التي تعرف عن فلسطين أنها أكثر من البرتقال والشذي والعطر والبحر الأزرق والجبال المزهرة... تعرف عنها أنها ارض الموت وأرض البعث معاً.


* كيف يمكننا خلق جبهة ثقافية عريضة مشاركة للثورة الفلسطينية، ما هو مفهوم المشاركة؟

ــ ليست قضية فلسطين تخص الفلسطينيين وحدهم، وإنما هي قضية عربية تخص كل فرد عربي، ولذلك يبدو لي السؤال عن خلق جبهة ثقافية عريضة للمشاركة غير مفهوم! فما معني المشاركة؟ أهو تجمع آخر (ونحن أكثر أهل الأرض غراما بالتجمعات؟) أم مشاركة بالأجهزة الثقافية الفلسطينية ودعم لها علي غرار مركز الأبحاث؟ وهو اتجاه ادعمه بكل تأكيد، فيجب ان تنفتح الأجهزة الثقافية الفلسطينية علي المثقفين العرب الذين يبدون حماساً حقيقياً لنصرة القضية، ولا أعني بهذا ذوبان الشخصية الفلسطينية في هذه الأجهزة، بل اعني اغناءها بمزيد من القدرات والمواهب والأفكار الجديدة.
الجبهة الثقافية العريضة للمشاركة في الثورة يجب ان تأخذ اتجاها أكثر سعة وله صفة الشمول.. يجب خلق جبهة عالمية في كل بقاع الأرض من المثقفين ذوي التأثير.. لقد برع أعداؤنا في إفساد المثقفين الأوروبيين مثلاً وتضليل معظمهم، ومن هنا يجب ان نتحرك، والظروف العالمية الآن أكثر مواتاة لشراعنا الهامد لأن يبحر في المد، ولننزع من أفكارنا ان الأوروبي بطبيعته معاد لنا.

* الأدب الفلسطيني: السمات العامة: الايجابيات والسلبيات ومكانه في الأدب العربي المعاصر.

ــ هذا سؤال تتطلب الإجابة عنه كتابا بكامله، ومرة اخرى أحس أنني غير مؤهل للرد ولكني سأورد بعض الملاحظات: هناك أدب فلسطيني ما في ذلك شك، وهو إن كان يصب في بحر الأدب العربي العام فان لهذا الجدول خصائصه المتميزة. وهو رغم صغر سنه قد ترك انطباعاً عميقاً علي مجمل الأدب العربي المعاصر، وهو ليس تراكماً كمياً وإنما هو قفزة نوعية، والشعب مليء بالمواهب، لقد اقتحم دنيا الشعر والقصة وأثبت في فترة قصيرة ان مزماره انقي المزامير في الأدب العربي المعاصر.. ان الآلام والنكبات الهائلة التي عاناها هذا الشعب العظيم قد فجرت في نفسه أعظم الطاقات، ولكنها طاقات يجب ان تعرف مسربها، إنها تتقدم ببطء ولكنها تتقدم أسرع من غيرها.. وان قدرتها علي التوقف أحيانا وإعادة النظر والفحص تبعث في النفس أقوي الآمال... لقد أخذت الموجة العاطفية الغنائية بالانحسار رغم أن آثارها لا تزال ملموسة في كثير من الشعر والنثر الذي يكتب الآن، واقتربت مرحلة تعميق الحس الدرامي والبعد عن الخطابة والشعارات، والعاطفية المريضة، والتمسح بالكلمات الكبيرة لإخفاء ضحالة المعاناة.
  رد مع اقتباس
قديم 09/01/2008   #220
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


حوار مع عبد العزيز المقالح
  رد مع اقتباس
قديم 09/01/2008   #221
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


الشاعر الكبير د.عبد العزيز المقالح : لست من أعداء قصيدة النثر
حاوره في صنعاء : محمد الحمامصي

بوابة اليمن الشعرية والثقافية الشاعر اليمني الكبير د.عبد العزيز المقالح أحد أبرز الأصوات الشعرية العربية التي شكلت التجربة الشعرية العربية الحديثة ، ورائد ومؤسس الشعرية اليمنية الحديثة ، ولد في أواخر الثلاثينات من هذا القرن العشرين ، ونشأ في منطقة "الشعر" بالقرب من "وادي بنا" المشهور ، وادي المياه والأشعار والحقول الخضراء ، من أعماله الشعرية ( لابد من صنعاء مأرب يتكلم ) ، ( رسالة إلى سيف بن ذي يزن ) ، ( هوامش يمانية على تغريبة ابن زريق البغدادي )، ( عودة وضاح اليمن ) ، ( الكتابة بسيف علي بن أبي الفضل ) ، ( الخروج من دوائر الساعة السليمانية ) ، ومن أعماله النقدية (الأبعاد الموضوعية والفنية لحركة الشعر المعاصر في اليمن)، ( شعر العامية في اليمن) ، ( قراءة في أدب اليمن المعاصر )، (أصوات من الزمن الجديد) ، (يوميات يمانية في الأدب والفن)، (أزمة القصيدة الجديدة) ، (شعراء من اليمن ) شغل منصب رئيس جامعة صنعاء ، ويشغل الآن منصب مستشار رئيس الجمهورية للشئون الثقافية ، وإلى جانب مؤلفاته الأدبية فإن له الكثير من الكتابات في الصحف اليومية والأسبوعية اليمنية والمجلات العربية .

** عايشت الثقافة والإبداع العربيين في مراحل مختلفة وأقطار مختلفة ، كيف تراهما الآن مقارنة بما سبق وعايشته ؟

** كما كان من قبل ، صحيح أن أشياء كثيرة جدت علي الصورة ، وأن أجيالا جديدة دخلت إلي الساحة مزودة برؤى جديدة ، وبقدر غير قليل من التمرد إلا أن الواقع من وجهة نظري لم يختلف كثيرا عما كان عليه في هاتين الساحتين ولم يحدث دخول دماء جديدة متمردة ما كان منتظرا أو متوقعا ربما لأن هذه الدماء الجديدة المتمردة لم تتسلح بالقدر الكافي من المعرفة الفنية والموضوعية ، ولهذا ظلت إضافاتها شبه محدودة وظل صوتها أكبر من حجم إنجازها ، ومع ذلك فإن المتابع لحركة الواقع الأدبي العربي يشهد حراكا متنوعا ومثيرا للانتباه سيما ما يتعلق بالجيل الجديد وطموحاته التي تعكس أملا كبيرا في واقع أدبي جديد ومغاير لما هو سائد .

** علي من تلقي باللائمة في قولك (كما كان عليه من قبل) ؟ **

علي الواقع السياسي والاجتماعي وبعبارة أوضح علي المسئولين عن الوضع السياسي في الوطن العربي الذين تجمدوا وتجمدت مشاريعهم عند نقطة ظلوا يراوحون حولها في ثبات يثير الحزن ، وفي الوقت ذاته لا يمكن أن يعفي المبدعون ورجال الثقافة عموما مما حدث من تجمد وركود ، والثقافة وحدها تعتبر مسئول أولى عن تحريك الواقع والقضاء علي حالة الركود العام ، وبخاصة وقد ظهرت في الواقع وسائل توصيل جيدة تمكن المبدع خاصة والمثقف عامة من القيام بدورهما علي خير ما يرام .. ** تتهم الأجيال الجديدة بأنها لم تتسلح بالقدر الكافي من المعرفة الفنية ، في حين أن هذه المعرفة يتم اكتسابها بالتراكم عبر الزمن ،

ألا تعتقد أن التجارب تحتاج إلي الفطرة الشعرية أكثر ما تحتاج إلي الخبرة المعرفية ؟ **

لا يمكن الاعتماد علي الفطرة أو الموهبة وحدها ما لم يصاحبها تحصيل معرفي شامل يقترب من روح العصر ومنجزاته وإضافاته إلي كل الحقول ، لقد انتهي زمن الشاعر البدوي الذي ينطلق من موهبته الفطرية معتمدا علي ما اكتسبه من معايشته لأصوات من سبقوه المصحوبة بأصوات الطبيعة وما ينتج عن المعايشة المباشرة من أفكار وصور ، المبدع المعاصر أو الجديد أو الحداثي مطالب بأن يستوعب كل الأصوات والمؤثرات المحيطة به من قريب أو بعيد حتى يتمكن من القدرة علي التعبير بطريقته الخاصة عن هذا الواقع الجديد ، لا أريد أن يكون معبرا عن هذا الواقع كما ينعكس في عينيه ، وإنما أن يكون مصورا للواقع المباشر كما ينعكس علي وجدانه ولغته ورؤيته للأحداث حتى لا يظل منعزلا وهامشيا وفاقد التأثير . أحمد شوقي الشاعر الإحيائي (التقليدي) كان في زمنه مؤثرا علي الواقع العربي كله وكان صوته الشعري يتردد في صنعاء كما يتردد في بغداد وتونس ومراكش ، أين جيل محمود حسن إسماعيل وإبراهيم ناجي وغيرهم من الأصوات الرومانسية الجميلة ، وصلوا بأصواتهم إلي أقاصي الوطن العربي ، صلاح عبد الصبور وحجازي والسياب والبياتي ونزار وأدونيس وأمل دنقل ومحمود درويش وغيرهم خلقوا حالات من التقبل والتساؤل ما تزال قائمة ومؤثرة حتى الآن ، أين جيل الحداثة الجديد من هذا . ** كانت قصيدة شوقي تتصدر الصفحة الأولى من جريدة الأهرام بل كان الشعر يتصدر كل أنواع الفنون حتى أواخر الستينيات ، الأمر اختلف الآن وتم تهميش الشاعر والمثقف أيضا ؟

** ما سر هذا التهميش وكيف سقطت القصيدة من الصفحة الأولى في الأهرام إلي صفحات داخلية في بعض الجرائد التي ما تزال تحترم الكلمة الشعرية وترى لها مكانا في هذا الوجود الرديء ؟

هل سأل الشعراء بمختلف انتماءاتهم الأسلوبية عن هذا المصير الذي وصلت إليه القصيدة أو وصل إليه الشعر ؟ هل السياسة التي طغت أو كادت علي كل شيء ومعها الإعلام بكل إمكاناته المخيفة وراء كل ما حدث أم أن هناك قصورا ما في الشعر والشعراء أنفسهم أتاح الفرصة لكل من السياسة والإعلام أن يستأثر بحقل الاتصال الشامل ؟ سؤال أتنمي أن أجد من يرد عليه أو يشاركني في طرحه والإجابة عليه .

آخر تعديل butterfly يوم 21/01/2008 في 18:11.
  رد مع اقتباس
قديم 09/01/2008   #222
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


** بعد ستين عاما أو يزيد من ثورة التجربة الشعرية العربية ، لماذا انطفأت الثورة ؟ لماذا تراجعت قوتها ؟ كيف نرد الاعتبار للتجربة الشعرية الحداثية ؟ أم أنك ترى الأمر غير ذلك ؟
** أولا لا تنسي أن هذه الثورة الشعرية كما وصفتها في سؤالك رافقتها ثورة سياسية وفكرية نقلت الوطن العربي من حال إلي حال ، وليس هناك من يستطيع أن ينكر دور الثورة السياسية في مقدمتها ثورة 23 يوليو وما تركته في الواقع من آثار لا تمحى ولا تستطيع بعض الأقلام هنا وهناك أن تقلل من الزلزال الفكري والمعرفي والمادي الذي صنعته الثورة السياسية العربية ، وإذا ما وعينا ذلك فإننا نستطيع أن نقول أن الانحسار التدريجي لهذه الثورة قد رافقه انحسار مماثل في الحياة الثقافية وفي وضع الشعر بخاصة ، وهنا يستطيع أي متابع لوضع المسرح العربي في الخمسينيات والستينيات وبعض السبعينيات أن يدرك الفارق الكبير بين الأمس واليوم مع هذا الفن وحده ، وان يقيس عليه ما حدث لبقية فنون الإبداع الأدبي ..
يضاف إلي ذلك أن الصراع الذي دار داخل الكيانات السياسية أدى إلي تشرذمها وانحسارها وكذلك الشعر في الصراعات التي قامت وتقوم داخل الكيانات الإبداعية والشعرية فيها بخاصة من عموديين وتفعيليين ونثريين ، لقد تركت هذه الصراعات أو الخلافات ـ في رأيي ـ علي جسد القصيدة العربية ما تركته الخلافات السياسية والفكرية علي جسد الثورة العربية ، هناك تزامن وتكامل بين مناحي الحياة المختلفة في صنع التطور ، مهما كانت الآراء المعارضة لما أقول .


** لكن الإبداع ازدهر وتجلي في أكثر الفترات قسوة في تاريخ الإنسانية ؟
** قد أكون معك إلي حد ما فيما تطرحه وعندي وعندك أمثلة كثيرة علي ازدهار الآداب والفنون في ظل أوضاع قاسية لكن ما نعانيه نحن الآن لا يشبه بحال من الأحوال ما سبق من أوضاع أنتجت الرواية المتميزة في روسيا والفلسفة العظيمة والموسيقي في ألمانيا ، نحن نعيش في حالة خوف غير منتج وقمع غير منظور ، نحن أحرار وغير أحرار ، نحن نعيش في أقطار ديمقراطية أو هكذا تقول دساتيرها ولكن في أعماقنا يعيش خوف السنين ورعب القرون لهذا لا يقاس بنا أحد ولا نقاس بأحد

.
** برأيك كيف لنا أن نتجاوز هذا الخوف هل من سبيل ؟

** هناك سبل عديدة إلي تجاوز هذا الرعب التاريخي أهمها أن يعي كل واحد منا دوره وأن يجيد امتلاك الآليات التي تجعله يقوم بدور علي أحسن حال . الفنان الموسيقي عليه أن يركز طاقته كلها ليمتك هذا الفن في كل أبعاده وكذلك الفنان التشكيلي والشاعر ولا أريد للأخير أن يدخل عالمه الإبداعي غير مكتمل الآليات والأدوات اللغوية والفنية التي تساعد موهبته علي التحليق في فضاءات واسعة تدفعه إلي الطيران بعيدا بدلا من الاكتفاء بالتحليق في مساء الحي أو القرية أو المدينة التي يعيش فيها ، إذا أخلصنا في امتلاك القدرات التي تؤهلنا لأداء دورنا بإتقان حينئذ سوف نتحرر من الخوف ومن الخلافات والاختلافات الصغيرة والكبيرة التي تجعلنا نتطاحن ونتحارب في غير ميدان ودون مبرر .
** لا تزال قصيدة النثر موضع رفض الكثير من النقاد والشعراء الكبار عربيا ، هل تنضم إليهم أم أن لك موقف مختلف ؟ يبدو أنك انضممت إليهم ؟

** لا أريد أن أذكي نفسي وأقول انني عندما بدأت محاولتي الشعرية الأولى في أواخر الخمسينات كانت نثرية وكنت في البداية أكتب قصائد عمودية أهاجم فيها شعر الأوزان والقوافي ، وهناك دليل علي ذلك قصيدة كتبتها عام 1960 ومنشورة في ديواني الأول أو الثاني كانت تدعو إلي التحرر من سيطرة الوزن والقافية وإلي كتابة الشعر الحر (قصيدة النثر) وأتذكر من تلك القصيدة بيتا يقول :
وخرجنا نسيل شعرا مقفي رقصت روعة عليه الحمير
فهذه المقدمة تؤكد أنني علي الأقل إن لم أكن من أنصار قصيدة النثر فلست من أعدائها ، مع أن كتاباتب الكثيرة جدا والمناصرة لهذا الشكل من الشعر والذي تبنيت له مصطلحا صار معروفا في بعض الأوساط النقدية وهو (القصيدة الأجد) مقارنة بالقصيدة الجديدة التي هي قصيدة التفعيلية ، وفي كتابي (أزمة القصيدة العربية .. مشروع للتساؤل) ما يعطي إجابة شاملة في موقفي تجاه قصيدة النثر ، ولكن بعد أن اختلط الحابل بالنابل وتعالت أصوات قتل الآباء والأمهات ، فقد تراجعت موضوعيا وصرت أرى كل الأشكال الشعرية الناضجة جديرة بالبقاء والتعايش ، وأن من حق كل الزهور أن تتفتح في حديقة الإبداع الشعري عمودية كانت الزهرة أو نثرية ، المهم أن تكون زهرة وأن تحمل قدرا من ضوع الشعر ورائحة الإبداع ..


** المشهد الشعري اليمني حتما شهد ويشهد الكثير من المتغيرات مثله مثل المشهد الشعري في غيره من البلدان العربية ، هل تتابع هذا المشهد وما أهم ملامحه وكيف ترى لمستقبله

؟
** أولا ينبغي أن نعترف جميعا بأننا نعيش مناخا عربيا متشابها في الواقع السياسي والاجتماعي وما ينعكس عنهما من حالات تجاوز إبداعية وفنية ، والمشهد الشعري في اليمن ما هو إلا صورة مصغرة ربما لما يجري في القاهرة ودمشق وبغداد والمنامة والرياض سواء من حيث وجود بعض الملامح اللافتة والتي تشد إليها الأنظار أو تلك التي في طور التكوين ، ومشكلة الشاعر الشاب في اليمن هي مشكلة أخيه الشاعر في بقية العواصم العربية مع فارق لصالح الشاعر الشاب في اليمن الذي توفرت له أخيرا إمكانية النشر من أوسع الأبواب . هذه باختصار صورة المشهد الشعري في اليمن الذي يتطور أحيانا ببطء وأحيانا بسرعة غير متوقعة ، حين يلمع شاعر أو آخر فجأة وعلي غير انتظار ليقدم تجربة مثيرة ومبدعة .
إن الحركة الشعرية اليمنية حظيت باهتمام كل المهتمين بالأدب ولم يدخل شعراؤها علي اختلاف انتماءاتهم الفنية في صراعات تتشكل عنها ثأرات انتقامية ، كان هناك ولا يزال تصالح إبداعي بين كل المدارس والأشكال وكل موهبة تطرح ما لديها بالشكل أو الأسلوب الذي تؤهلها له إمكانياتها .

.
** لا تزال تجربتك مع تجربة عبد الله البردوني تمثل التجربة الشعرية اليمنية عربيا ، هل يعني ذلك أنه لم تشهد اليمن تجربة أخرى بحجم تجربتكما تستطيع الحضور عربيا ؟

** هناك تجارب شعرية لا تقل أهمية في اليمن عن هاتين التجربتين اللتين أشرت إليهما سوء بين شباب الشعراء أو من كانوا شبابا إلي وقت قريب أمثال محمد حسين هيثم وشوقي شفيق ، تستحق تجاربهم الاهتمام ، ولعل للزمن والانعاطافات التاريخية دورهما في إبراز التجربة وإهمال الأخرى ، في مصر شعراء عديدون ولكن برزت أسماء تختصر هذا الكم الكبير من الشعراء لأسباب تاريخية وفنية أيضا ليست مجانية ، من التجني القاسي والموضوعي القول بأن صلاح عبد الصبور وحجازي ودنقل وعفيفي مطر لا تعتبر تجاربهم قيمة شعرية حقيقية استحقوا عليها هذه المكانة التي يتبؤونها في حركة الشعر الحديث في مصر ، ومازال الزمن مفتوحا أمام التجارب الجديدة التي سوف تشكل بدورها قيمة ذات أهمية مستقبلية ، من هنا فاليمن الراهن واعد بأسماء وتجارب شعرية سيكون لها شأنها ومكانتها في الرصد الشعري العربي المعاصر .

** معذرة عما يمثله هذا السؤال من تقصير هل لا تزال تواصل الكتابة الشعرية وفي أي مرحلة تقف تجربتك ، حيث أن الكثير من التجارب الشعرية التي تمثل الريادة تكرر نفسها الآن ولا تضيف جديدا
؟
** أشعر الآن أنني مسكون بالشعر أكثر من أي وقت مضي ، والقصيدة التي أكتبها اليوم أفضل بكثير عما كانت عليه قصيدة المس ، وإذا كانت أجساد الشعراء تشيخ فغن مواهبهم لا تشيخ أبدا ، والذين يعتزلون كتابة الشعر هم أولئك الذين يعتزلون المتابعة الشعرية أو يركنون إلي ما قدموه من اعمال شعرية ، سأعطيك واحدا من النصوص التي كتبتها في بداية هذا العام (أنظر القصيدة صـ ) .
وأود هنا أن أنبه إلي أن عملي كرئيس لجامعة صنعاء لفترة تقترب من عشرين عاما قد أبعدني كثيرا عن كتابة الشعر ، وعندما تركت هذا العمل المرهق وتحللت من المسئوليات المباشرة عدت إلي الشعر وكتبت في أ{بعة أعوام أربعة أعمال شعرية نالت الكثير من اهتمام النقاد والشعراء ، ومن ضمنهم أدونيس وعز الدين إسماعيل وكمال أبو ديب ومحمد عبد المطلب ويمني العيد وغيرهم .


** يري البعض أن الحركة النقدية العربية فقدت الكثير من قدرتها علي مواكبة الإبداع الجديد أو أن أدواتها لم تعد صالحة ، وأيضا فقدت الكثير من الثقة ، ما هو تقييمك لأداء هذه الحركة الآن ؟
** هذه وجهة نظر تقابلها أو تعارضها وجهات نظر أخرى ، قد تكون مشكلة النقد الأدبي عربيا قائمة علي ناحيتين أولهما التركيز علي التنظير سيما في مرحلة ظهور المناهج النقدية الحديثة كالبنيوية والأسلوبية ، وثانيهما اتساع دائرة المبدعين واتساع دائرة الإبداع حيث لم يعد الشعر سوى فن واحد من مجموعة فنون تستدعي المتابعة والنقد كالرواية والقصة القصيرة والمسرح ، وهنا تشتت دور النقد التطبيقي وظهر عند المبدعين كما لو كان النقد غير موجود مع أنه يملأ الساحة ويغطي كثيرا من الأعمال الجديدة والقديمة ، كما لا يجب أن ننسي دور النقد الأكاديمي أقصد النقد داخل الجامعات والمتمثل في رسائل الماجستير والدكتوراه وفي الأبحاث البالغة الأهمية التي يكتبها أساتذة الجامعة في كليات الآداب


.
** أيضا شهدت الفترة الأخيرة تراجعا ملموسا لدور ومكانة المثقف العربي وكثيرا ما شارك المثقفون أنفسهم في ذلك ، ما هو تقييمك لهذا الدور الآن وما موقفك مما يرتكبه المثقفون من تزييف لإرادة جماهيرهم
؟


** تبدأ المشكلة وهي قديمة من سيطرة السياسي علي الثقافي ومحاولة جر المثقف إلي العمل السياسي ليقوم بدور المبرر وهو في الوقت ذاته يظهر أو يتوهم أنه يقوم بدور المصلح والمؤثر في الحياة الاجتماعية والثقافية ، وتتجسد المشكلة كأسوأ ما تكون في قصور الأحزاب السياسية وهامشيتها وتراجع دورها التنويري والاجتماعي ، وحين تفشل تعود فتلقي اللوم علي المثقف الذي لا حول له ولا قوة لا علي المناخ السياسي الذي أثبت عجزه وفشله . لماذا أنتقد تراجع دور المثقف ولا أنتقد تراجع دور الأحزاب وهي من هي في الساحة ، إن المشكلة كما أراها أكبر من أن نحمل تبعتها للمثقف وحده بعيدا عن السياسي سواء كان هذا السياسي في السلطة أو المعارضة فكلاهما يتحمل الوز الأكبر فيما وصلت إليه أحوال الأمة وما وصل إلي المثقف من انكسار وضياع دور

ه .
** لابد من انتقاد تراجع المثقف فتاريخيا يحتل دوره الصدارة ومن ثم كان رئيسيا فاعلا يتبعه أي شيء آخر ، أما الأحزاب أو ما شابه من مستحدثات فهي تالية له في الدور والمكانة ؟
** أكرر السياسي سرق دور المثقف وأبعده عن أماكن التأثير ، وقد يكون تم ذلك بإرادة المثقف نفسه ، وهنا الخطأ الكبير الذي يستحق عليه اللوم ، حيث أنه عندما لم يحاول استراجاع مكانته في الحياة وفي المجتمع بوصفه صانع تكوين الفكر النقدي وأسئلة التغيير والدفاع عن الحرية ومصلحة الإنسان

. *** نشر بمجلة الشعر (مجلة فصلية يصدرها اتحاد الاذاعة والتليفزيون المصري) العدد 122 صيف 2006

آخر تعديل butterfly يوم 21/01/2008 في 18:10.
  رد مع اقتباس
قديم 09/01/2008   #223
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


حوار مع الشاعر الفرنسى ايف بونفوا
  رد مع اقتباس
قديم 09/01/2008   #224
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي




حوار مع الشاعر: إيف بونفوا
الحقيقة الوحيدة هي
الكائن الإنساني المنخرط في تناهي
ه
* خلال السنوات الأخيرة أجريت الكثير من الحوارات حول الشعر, هل يعتبر ذلك تنازلا لكسلنا أم ضرورة للتفسير?

**إنه ضرورة : لأن أفهم نفسي خاصة, إنني أتم ل ص من اقتراحات الحوارات السريعة, ذات المواضيع الشفوية غالبا, وغير المهيأة جيدا والمختصرة, لأن هذه الفرص لا تؤدي إلا إلى تكرار الأفكار, بل وإفقارها لكونها تأخذ الأشكال البسيطة, لكن عندما يتاح لي أن أعبر عن طريق الكتابة, كما أفعل الآن, أهتم كثيرا بالأسئلة التي تحتاج الإجابة عنها للسرعة, ودون الاهتمام باستنفاذها, لأنه من المؤسف بالتأكيد أن لا نجعل مسعانا هو الذهاب, بقدر المستطاع, إلى عمق مشكل ما, وليكن ذلك المتعلق بالشعر مثلا, لكن ذلك يتيح بالمقابل أن نخاطر في أصعدة لم يكتمل فيها التفكير, أو هو مؤجل إلى وقت آخر. ويكون السؤال حينئذ شيئا محفزا, ويدعو إلى الذهاب إلى مكان آخر غير ذلك الذي نقف فيه عادة.
* مكان آخر : أنحو فكرة الحدث مثلا? في شعرك لا يشف الحدث إلا من بعيد. ومع ذلك فقد عشت مثلنا الراهن المرعب لزمننا.

** ها هو واحد من تلك الأسئلة التي تأخذ, في الواقع, ما نمثله عبر ما لم نتح له الفرصة ليقال, وهو سؤال أرحب به لأنه يتصل بانشغال يومي لي, بالإضافة إلى كونه مصدرا, أو تقريبا واحدا من مصدرين لمشروعي ككاتب. إنني لا أفسح مجالا للحدث, وللواقعة التاريخية, في أشعاري, لكن رفضي الإثارة المباشرة لا يعني إطلاقا, أنني غير معني بالقدر الذي يعنى به إنسان آخر بالوضعية الحالية للعالم: في الواقع يثير هذا الأخير قلقي, وحتى استنفاري, واستنكاري. وكما أنني مقتنع أن لهذا الخراب علاقة مباشرة مع وضعية الشعر, فأنا لا أجد نفسي إلا شاعرا بالإحساس بمسؤولية خاصة, ولو كانت محدودة, إن لم يكن اتجاه الأحداث, فعلى الأقل اتجاه التفسير الذي يمكن أن يعطى لها, وإعادة النظام المحتملة. لكن يتعلق الأمر إذا بأن نفهم سواء هذه العلاقة بالشعر, أو الطريقة التي يستطيع بها الشعر الوقوف في وجه الخراب. أجد نفسي مأخوذا أكثر بهذا النوع من التفكير لا بمجرد رد الفعل على الأحداث المرعبة المحيطة بنا, يوما بيوم. بناءا على ذلك أعتقد أن الشعر إذا كان طريقا للتخفيف من هذا الشقاء, فلن يكون ذلك إلا بإحياء نبعه الخاص ثانية, وإذن بأن نذهب هناك وأن نبقى في عمق العبارة العادية التي من مهامها أن تفك تشابكها مع غرائزها الشريرة واستياهاماتها.

* لنبقى مع ذلك في الحدث كما عشت ه, ما هي الذكرى التي تحتفظ بها من تحرير باريس مثلا, ومن راهن ما بعد الحرب?

** أي ذكرى? تلك الدهشة اللجية, التي أتت بعد الفرح الساذج عندما اكتشفنا في 1945 ما وقع في معتقلات الإبادة. ولكن, ولكن أيضا, ذلك الإحساس اللاواقعي الذي أعطته, في ساعة الحقيقة تلك الأفكار التي هيمنت على المجتمع الغربي ومازالت تريد الاستمرار في ذلك, مقابل بعض التبديلات: بعد أوزفيتش لم يكن الشعر هو الذي أصبح مستحيلا, كما زعم ذلك أحد الفلاسفة! ولكن بالأحرى الفلسفة! <<الأكاذيب الضافرة>>, واقتراحات الميتافيزيقا واللاهوت التي فضحها مالارميه لزعمها تأسيس الكائن, في حين أنها لم تؤسس إلا أساطير, وعدم أهليتها في الفهم أو بالأحرى الرغبة في الفهم, كانت تبدو على الصعيد (المسند) للواقع الأكثر يومية, وفي عمق العلاقة الأكثر حميمية بين الأشخاص, وذلك لانغلاقها على نفسها في الأحكام المسبقة ذات الطبيعة الاجتماعية أو الدينية, وبسبب عجز الفكر المفهومي بدون شك عن التفكير في لا معكوسية الزمان, والاستعجال في الخسارات, وواقعية الصدفة, وباختصار التناهي الملازم مع ذلك للحياة. لم يستطيع الخطاب الغربي, بالتأكيد, التنبؤ بشيء, ووقف شيء. لم يحسن الاعتراف بالقيم, والقضايا التي يحتاجها التبادل الإنساني. لقد ترك على مر العصور عقولا عظيمة تتخبط في تناقضات لا تحل, أو تنهار تحت ضربات الإيديولوجيا التي كانت أقل انهماما بالحقيقي من انشغالها بالاستيلاء على السلطة. الأنقاض كانت هنا أمام أعيننا, مدن م دمرة, إبادات جماعية, اغتصابات, وبعد الحرب, الأمل الذي لا ي قهر عبر التجارة الرأسمالية أو الستالينية, ولكن سبب هذه الآلام كان لا يزال ي حلق فوقهم, ظاهرا بشكل جيد, غمامة سوداء, وهذا أيضا كان يثير الدهشة, وهو ما كان يتطلب أن يكون إلى الأبد, ذكرانا
.
أما فيما يخص فكرة الشعر, فلم يكن أمامها إلا أن تتقوى بشكل طبيعي, في هذه الوضعية التي كان يندمج فيها التفكير مع الاكتشاف, يوما بعد يوم, لما سبب آلام المجتمع. لأن الشعر هو البحث من جديد عن التماس مع ما هو آني في الحياة, وفي العلاقات مع كائنات أخرى ستصبح مطلقة, وهذه التجربة لا يمكن أن تحدث إلا بتخليص الكلمة من الأنظمة المفهومية التي تستبدل هذا الامتلاء الممكن بتمثيلاتها المجردة, وهي لهذا السبب جزئية, أي بمعنى, متناقضة, وتضادية بالقوة, كنتائج للحرب. الشعر ليس عدو الفكر, إنه بالعكس ينتظر من العقل المدهش الذي يملكه الفكر أن ينظم هذا العالم- الذي يمكن أن يكون أجمل إذا رح بنا ولو قليلا باقتراحات الامتلاء الحقيقي. وهو ليس حتى عدو أحلام اليقظة الأكثر طوباوية, لأنه يدرك قيمة الأحلام, عندما لا تخفي طبيعتها. لكنه يمتلك وجهة نظر تتيح له نقد الفكر بطريقة جذرية, لتجرم روح النظام. إن رد فعلي على وضعية ما بعد الحرب, هو تقديري أن الشعر كان هو الواجب الأعظم, الذي كان علي إعطاءه الأولوية, ذكرى, هو أيضا, لا أريد إطلاقا الابتعاد عن
ها.
* وسارتر في هذه الظروف? عندما غادرت السوريالية سجل سارتر تخليك عنها. كيف كان إدراكك للوجودية أو موقفك من التعريف الذي أعطاه سارتر للأدب
?
** طبعا, فكرتي عن الشعر, هي ما يعطي الأفضلية, في الفلسفة, للفكر المسمى وجوديا, أي ذلك الذي يعتبر, مثل الحدس الشعري, أن الحقيقة الوحيدة, هي الكائن الإنساني المنخرط في تناهيه, أي في الصدفة والزمن. وكنت أشعر بانجذاب كبير لمطالبات شاستون التي كانت تنشطني حقا, لم أكن أشعر إلا بالإعجاب بالتناقضات المؤلمة التي عاشها كيرارد, والتي اكتشفتها من خلال الكتاب الكبير لجون وال. لكن هذا هو السبب الذي جعلني لا أحب تماما خطاب سارتر الذي كان ينغلق فيه على نفسه الاختصار المفهومي مع متعة العقل التي لا مثيل لفحشها, خاصة في مثل تلك السنوات.
لا شيء وجودي في مثل هذا الفكر الذي بلا أي قلق, والمتصف بشقاق كلي مع الشعر, وحتى بتوجس ما وضغينة انتشرت طويلا, بتأثير من سارتر في الأوساط المثقفة الأدبية بفرنسا. مع سارتر انبعثت الإيديولوجيا من جديد, الأمر الذي كان يبدو لي بقدر أكبر مضرا لأنه كان يتعلق بالكيان في العالم, من خلال كتابات روائية وفلسفية
.
لكنني لم أكن مستعدا من أجل هذا الالتحاق بم ودة هايدجر, تلك التي ارتبطت بالمرحلة الثانية للفيلسوف. سواء كنت محقا أو مخطئا فقد شعرت أن فينومينولوجيا الشعر هذه كانت تنحو أن تدعم اللغة التي تحملها بعلاقة حميمة مع حقيقة متعالية, يفترض أنها جوهر الشعري. في حين أن الشعر, الذي هو بالتأكيد لغة, لا يأخذ قيمته إلا بجعل الإمكانيات التي تمنحها له اللغة موضع تساؤل. الشعر لا يمكن تمثيله بحقيقة قابلة للصياغة, إنه ليس إلا سكة المحراث التي ت قلب الأرض التي يزرع فيها الفكر بذوره, من أجل حقائق ستبقى متناسبة مع حالات الحياة الاجتماع

آخر تعديل butterfly يوم 21/01/2008 في 18:16.
  رد مع اقتباس
قديم 09/01/2008   #225
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


* لقد اكتشفت السوريالية أثناء الحرب, ثم ابتعدت عن أندري بروتون, مع الإبقاء على إعجابك به <<لم أكرهه>> قلت عنه في كتيب حديث. وفي اللحظة التي تشت تت فيها لوحاته وأشياؤه وكتبه التي جمعها في شارع فونتان, كنت من الذين ثاروا. ما هي أهمية السوريالية بالنسبة إليك اليوم?


** بالفعل ارتدت السوريالية خلال بعض السنوات, ثم تركتها لانكرانا... وللإجابة عن سؤالك هناك عدة طرق, إحداها بالتموقع, إذا جاز القول, داخل الكتابة والبحث عن إيجاد طريقها وصوتها أيضا, من خلال الكلمة العادية: وسيتعلق الأمر حينئذ بالتفكير في طاقات ما كان يسميه بروتون الصورة, هذه القطيعة في شبكة ما تدعوه البلاغة: الأشكال (Figures) وهي وسائل الإدراك العقلي (التفهم). أصل إلى القول, أن طاقات الصورة هذه, وهي واقعية- بالإضافة إلى تلك التي حلمت بها السوريالية- أهملت اليوم كثيرا, للأسف الشديد, من إصغاء اللاشعور مثلا, الذي يعتبر ضروريا جدا للشعر.

لكنني أفضل البقاء في المستوى الذي التزمت به, الخاص بعلاقة الشعر بالمجتمع والتاريخ. أشعر شيئا فشيئا أن الديمقراطية مهددة في العالم. وشوهت في القرن العشرين بطرق عديدة وكارثية أيضا, في مجتمعات بعينها, وهذا الشقاء يتواصل, بطرق أجمل لكن هذه المسلمات مهددة اليوم في العلاقات بين الأمم أيضا, وفي اللحظة ذاتها التي يفترض أن تتيح العولمة فيها الحق لمختلف البلدان في أخذ الكلمة, لا من أجل إعطاء قيمة لثقافات متميزة- فهذا النوع من التبادل هو قضية أخرى- ولكن من أجل الآراء التي تملكها حول المشاكل الكبرى والمطالبات التي من حقها أن تؤخذ بعين الاعتبار. والحال أن الشعر, من أجل أن يرتقي إلى امتلاء تجربته, هو المكان الذي تتجلى فيه فكرة الديمقراطية للفكر ( العقل), وتضاء وتصبح إلزامية, لماذا?


لأن عمل الشعر, وقد قلت هذا سابقا, هو أن يجعل أنظمة القراءة التي يضعها الفكر المفهومي نسبية: هذه الأنظمة كما هي تمثل نسيانا للمتفرد, وللتناهي. وفي تمزق الشراع هذا يظهر الحضور الكامل للكائنات الأخرى, وإن يكن في غير مستطاعنا أن نختصرها إلى التمثيلات المجردة السابقة: يجب الاعتراف أن الغير-كما نقول بتشويه- له الحق في الوجود كما هو, وهو كما لو أنه واقف في كرامة وجوده. الشعر يمنحه الحق في وجهه, وفكره, ورغبته الخاصة. وهنا بالذات يكمن أساس النظام الديمقراطي. الشعر هو مباشرة هذا التحديد, وهذا التذكير, وهو على الفور سياسي, لكن فقط بالتجاوز السريع للفضاء البسيط للمدينة, لأن هذا الاعتراف بالآخر, هو بالقدر نفسه اعتراف بالآخر الموجود فينا, في خفايا الأنا الذي ليس هو نفسه إلا تمثيلا مفهوميا. وهكذا تنفتح الطريق أمام <<أنا>> كوني, يشكل العالم الطبيعي وحتى الفضائي أفقه.


الشعر هو تغيير الحياة,و بالقدر نفسه تجديد العلاقات الاجتماعية, يمكن أن لا يستطيع معرفة ذلك, ولكن حتى في الكلمات نفسها التي يستعملها, كلمات اللغة العادية, فهو يواصل على الأقل تكثيف التبادل الإنساني. لهذا السبب, أبديت بعد الحرب, وإن كان بطريقة مازالت غامضة, اهتماما كبيرا بالمشروع السوريالي, وفيما بعد أيضا. بروتون أيضا اعتقد أن الشعر هو الموضع الذي على العلاقة الاجتماعية أن تجدد حيويتها فيه, لتصل ليس فقط إلى عدالة أكبر ولكن إلى قوى الحياة التي توجد حاليا تحت الصاع, لقد عرف كيف يحافظ على موقفه كشاعر في تحليلاته للحدث التاريخي, وقد سبق لي أن كتب ذلك, ولكنني لا أتعب من التذكير به, والدليل على أنه كان محقا هو أنه كان الوحيد من بين من كنا نسمع لهم في هذه الفترة المليئة بالفخاخ, من ندد , في آن واحد, بكل صرامة وبدون أي رغبة في الاستسلام لليأس, بالنظامين التوتاليتاريين الكبيرين لتلك الفترة: وهو فعل شجاع كذلك لأن أخطاء وجرائم الاشتراكية الحاكمة كان مسكوتا عنها لضرورة محاربة النازي


ة.
* سؤال آخر أيضا, عن هذه السنوات, وعن فاليري. في تلك الفترة التي كنت قريبا فيها من أندري بروتون, كنت تتابع أيضا دروس بول فاليري في الكوليج دو فرانس. أكان ذلك من أجل نوع من قوة موازنة للنشاطات السوريالية?


** أقول نعم, وهذه الرغبة لم يكن لها أي علاقة بالاهتمام الذي كان يمكن أن أبديه تجاه قصائد فاليري. بالتأكيد كنت أحب الكثير منها, والتي كانت تستجيب في لانشغالات لم يستطيع الشعر السوريالي أن يخفف من حدتها. حتى وإن كانت بعض أبيات <<المقبرة البحرية>> منظورا إليها عن قرب, لا تملك صرامة الكتابة التي كان مؤلفها يستند إليها, إن هذه القصيدة في مجملها, هي تجل مقدس بليغ الأثر للعالم الطبيعي في واحدة من لحظاته ذات الراهنية الفيزيائية العظيمة, حتى يتحول الفكر إلى شهادة خالصة كما هو موجود. والالتقاء هكذا بالوضوح, هذه الوصية المتروكة من اليونان القديمة والتي احتقرها لاهوتيو الخطيئة والسقوط, كان ذلك مفيدا بالنسبة إلي, على هوامش كتابة سوريالية ح لمية ومشحونة بإفراط بالاستيهامات. من جهة أخرى, إذا كانت شعرية فاليري لا تعجبني قبل هذا بنبرتها التي تؤكد على الفعل, وعلى الموضوع الذي كانت تريد أن تراه في القصيدة, وبتقنية الكتابة, كان هناك أيضا المجذف الرائع ليندهش أكثر مني بهذا الشاعري الذي كان يفسح العنان لحزنه الملغز.


لكن القرابة الكبيرة مع فاليري شعرت بها على صعيد آخر, فإذا كانت السوريالية تصر على التأكيد على الكتابة الآلية, وتدفع من جانب آخر, وهي غالبا على صواب, إلى ردود فعل مباشرة وجماعية بالقدر نفسه على الأحداث التي كانت تقع, فإن ذلك كان في نظري, تجاهلا خطيرا للدور الذي على الكاتب النهوض به. ألم يبق هذا الأخير بالفعل, الشخص المتميز, الذي وهو يعمل ويفكر بهذا الشكل, في مكانه وبكل وسائل تفكيره, قادرا إذا أن ي جمع في وحدة رؤيته تنوع المشاكل التي يطرحها زمنه على الفكر: مما يتيح له أن يضيف إلى ممارسة الكتابة, المفتوحة في الشعر على أعماق يجهلها, عقلا قادرا على أن يرى يمينا ويسارا, بالإحساس بمسؤوليته في هذه المنطقة الزلزالية والمدهشة الخصوبة في الآن نفسه, حيث تنهض المفاهيم, المخصبة بواسطة حركات القصيدة? هذا الكاتب لم يكن بروتون إلا ليكونه, وهو قد أعجب كذلك بفاليري, ولكن فاليري كان كاتبا بطريقة أكثر اختلافا, ولا تشكلا. وإذا كان يبدو أقل شاعرية, غالبا, فإن هذا الحال لم يكن إلا ليذكر بأن التطلع الشعري يلزمه أن ينتصر تقريبا دائما على المقاومات, ولكن هذا الفعل لا يؤتي ثماره إلا إذا كان الحاجز الذي يعترضه واقعيا, وإلا فإنه لن يكون قد انتصر إلا في الحلم. يحتاج شاعر المستقبل أن يجد في ذاته شيئا من فاليري ليبلغ الشعر فعلا. ومع ذلك, فقد جاء اليوم الذي طالبتني فيه إرادتي الخاصة, وهي تنسحب من المواسم الأولى المبهمة, أن أحتج بشدة ضد الاختيارات الوجودية لفاليري

. * لقد جاء اليوم الذي درست فيه أيضا في الكوليج دو فرانس, ولم يكن الكرسي الذي شغلته فقط وببساطة كرسي <<الشعرية>> ولكن <<الدراسات المقارنة للوظيفة الشعرية>>. وتناولت دروسك: بودلير مالارميه, شكسبير, التراجيديا الإغريقية, وحتى دولاكروا أوجياكوميتي, وقد قبلت قبل هذا مهام التدريس مرات عديدة في فرنسا, وخاصة في الخارج, ومما أثار دهشتنا ونحن نرحل في عملك, الأهمية التي يحتلها النقد من حيث الحجم, والذي ينصب على شعراء أو رسامين أو نحاتين أو مهندسين, ما هي الروابط الموجودة عندك بين [الشعر والتدريس أو البحث]?


** إن هذا السؤال يتيح لي العودة إلى نقطة انطلاقنا, نهاية الحرب, إن هذه الفترة كانت حقلا من الأنقاض, أنقاض أيضا في الروح, لكن شيئا ما بقي واقفا, داخل هذا الهباء, وكان مرئيا كذلك, على الأقل لعيني, وتمثل في أعمال بعض الباحثين, وخاصة أولئك الذين لم يكن للإيديولوجيا نفوذ كبير عليهم, بسبب شغفهم بالبحث عن المعنى الأصلي لهذه الشذرة أو تلك من ماضي الإنسانية, وكانوا كثيرين منذ بداية القرن العشرين. أفكر هنا بعلماء إثنولوجيا, وألسنيين, ومؤرخي الأفكار, أو الإبداع الفني, هؤلاء المتبحرون والعلماء كانوا يشتغلون على مادة كانت في الغالب وهم فترة أخرى, وحتى لأشكال من هذه الأكاذيب, ولكن عملهم كان رغبة في الحقيقة, لكن أي حقيقة
ة?

إن تفكيك قراءات سابقة, ع رفت مثقلة بالفرضيات الميتافيزيقية وأحلام يقظة ذات طبيعة روحانية واستخراج الدلالات المنسية أو المرفوضة, أيا كانت هذه الأخيرة. ولاتمام هذا المسعى العقل, العقل البسيط. لقد بقيت هذه الأعمال محترمة بالكامل, عندما استبعدت أنواع أخرى من التفكير في 1944, ومن جانبي رأيتها ومازلت أراها دائما, كما لو أنها قريبة في العمق من الشعر. ألا يتعلق الأمر في الحالتين, بتخليص حضور ما, وحياة ما, من التمثيلات غير الملائمة التي تغلفها.
تبع ذلك وبسرعة أنني رأيت في بعض المؤرخين, والفيلولوجيين, الضفة التي يجب الالتحاق بها. منذ 1945 أدخلني رجل رائع هو لوسيان بيتون إلى مكتبته العظيمة, وأوضح لي جون وال, في كتبه, أن تاريخ الفلسفة يستطيع تأمل الانحرافات, وفي 1950 رحب بي أندري شاستل في حلقته الدراسية التي فتحها في المدرسة العليا. ولم أملك إلا أن أتورط في فخ عدد من أحلام اليقظة, بدأت في قراءة بعض المؤلفين الذين در س بعضهم في هذه المدرسة التطبيقية, أو في الكوليج دو فرانس. هكذا استعدت إيماني (ثقتي) إذا أمكن قول ذلك.

لكن لم أعتبر نفسي أبدا باحثا, ولحساب الشعر كان بحثي عن هذه الضفة. في البداية, ومثل الكثير, أحسست أن فهم ما هو الشعر, وتقرير ما يريده, وكيف يكتشف ذلك, هو المطلب الضروري لحداثة لا يكون فيها مكان للإيمانات والعقائد, لربط الشعر بتصوراتها للتعالي: ذلك على الأقل بالنسبة للبعض, الذين كنت واحد منهم, لكن فهم كيفية البحث عن القيام بذلك? ألا يجب الاحتراز من ميلنا للنظرية, التي يمكن للحلم أن يغزوها, ولإمكانياتنا المحدودة في الفهم أن تهدد بكل بساطة الشعر, وأن تبقيه مورطا في نزوات المرحلة? نعم, ولكن من دواعي السرور أن الشعر ينتمي لكل الأزمنة. وكإصلاح للمفهوم, ولد الشعر مثله من نفس واحد, أي في فجر اللغة, وولدت معه في الحال وظيفته الراهنة, وإن كان في سياق آخر, والحل, بالنسبة لمن يريد أن يسائل بطريقة سليمة هو كما يلي: لكي نتعمق أو بكل بساطة نتحقق من الفكرة التي نخاطر بطرحها: فلنطلب من شعراء ومفكري الأحقاب السابقة ما أدركوه وعاشوه من الشعر, واستطاعوا قوله, وفي هذه النقطة بالتأكيد تتجلى أهمية المساءلة العالمة لقضية الشعر. فمن يريد الخوض في فرحيل أودانتي أو شكسبير, ليجد فيهم ما يدل على معنى ما, يلزمه, وهذا ضروري أن يفهم قبل أي شيء كيف أن ما أرادوا قوله تمنع, وتخفى, وحرف في لغة بلدانهم ومرجعيات لحظتهم التاريخية, يجب بمعنى آخر اللجوء إلى أعمال مختلف الباحثين: مؤرخي الكلمات, مؤرخي الأفكار والديانات, مؤرخي الفن, وبدون توسط هذه المعرفة لا يمكن تحقيق شيء جاد. وإذا افتقد هذا, فإن كل ما ليس إلا سرابنا, سيبدو بديهة. بإيجاز, لكي نفكر في الشعر, وفيما يمكن أن يكون له من راهنية وفظاظة وحتى وحشية يجب الإنصات جيدا لما يقوله الناشر الحذر والمتواضع لنص <<الرعويات>> يجب استشارة القواميس العويصة للغة الإليزابيتية
.
أي كارثة هو الموضع المشترك, الذي نشأ عند شعراء مزيفين على هامش الرومانسية, ووفقا له فإن ارتياد المدرسة أو التعمق في المعرفة ي ضر بالشعر, الذي يلزمه أن يحافظ على تلقائيته, وقوته الانبثاقية, هذه الحرية المزعومة ليست إلا استسلاما بأيد وأرجل مقيدة, لأفكار تبسيطية لم نعد نعرف كيف نطردها من حكمنا القبلي, واستسلاما لشائعات لم نعد نعرف كيف ننقدها, إنه فراغ في الرأس ينذر الثورة الأساسية العظيمة لأن لا تكون إلا سلسلة من ثورات فلاحين, من أجل السعادة الكبيرة لأعداء الشعر, الموجودين بكثرة وفي كل مكان. الشعراء الكبار هم في الوقت نفسه كل العنف الداخلي وكل الصبر من أجل الفهم, يعرفون فخ الأمية, وأنه لا يكتسح فقط الضواح

آخر تعديل butterfly يوم 21/01/2008 في 18:17.
  رد مع اقتباس
قديم 09/01/2008   #226
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


اخر حوار مع جاك دريدا
  رد مع اقتباس
قديم 09/01/2008   #227
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


جاك دريدا في حوار أخير: إنني في حرب على نفسي

ترجمة: محمد ميلاد

توقفت رحلة جاك دريدا التي بدأها بالقرب من الجزائر العاصمة سنة 1930، يوم السبت صباحا ٩ أكتوبر 2004 في باريس على إثر مرض عضال. وبموته لم تفقد الثقافة الفرنسية الفيلسوف المقروء أكثر منه في العالم والمثير للجدل فحسب بل أحد آخر شهود جيل كامل أثر بصورة عميقة في المشهد الثقافي الذي يضمّ أسماء كبرى مثل فوكو ودولوز وبورديو.

درّس دريدا بصورة اساسية في السوربون وفي دار المعلمين العليا وفي معهد الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية (EHESS)، باريس. وقد نشر على وجه الخصوص في الغراماتولوجيا (علم الكتابة) مينوي، 1967، (Schibboleth) ، من اجل بول سيلان (غاليليه، 1986)، أطياف ماركس (غاليليه، 1993). يمكن وصف كل مساره الفكري بأنه حوار بلا نهاية وبلا تنازل مع الميتافيزيقا الغربية، وبأنه »تفسير« لا يعرف الملل في تعاطيه مع ذلك التقليد الفلسفي الذي ما انفك يسائل تصوّراته. جنّد الطاقة التدميرية للأدب والفنون التشكيلية والتحليل النفساني فظل اسمه مرتبطا بثورة فكرية تسمّى »التفكيك«. صدرت اعماله الحديثة عن منشورات غاليليه: دراستان تتأملان في ما بعد الحادي عشر من سبتمبر: المارقون (voyous) و»مفهوم« الحادي عشر من سبتمبر (مع ي. هابرماس) ومجموعته الرشيقة التي تضم نصوصا توديعية للأصدقاء الراحلين (لفيناس، بلا نشو...)، وعنوانها: »فريدة هي في كل مرة، نهاية العالم«، وكذلك الجزء الذي يشكّل مقدمة كتابه »الحُملان- حوار لا ينقطع: بين لا نهايتين- القصيد«: Beliers. Le Dialogue initerrompu: entre deux infinis le poeme
وهو مخصص لموت أشخاص محبوبين ولما يسميه دريدا بـ» كوجيتو الوداع، تلك التحية التي لا رجعة بعدها«.
  رد مع اقتباس
قديم 09/01/2008   #228
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي





- لم يسبق أن كان حضورك بمثل هذا الوضوح منذ صائفة العام 2003. فأنت لم تصدر العديد من الأعمال الجديدة فحسب بل إنك جُلت عبر العالم كي تشارك في الندوات العالمية المنظَّمة حول أعمالك- من لندن الى كوامبرا Coimbra مرورا بباريس كما انك تسافر هذه الأيام الى ريو دي جانيرو. كما خُصص لك فيلم ثانٍ (دريدا، من اخراج آمي كوفمان وكيربي ديك، بعد الفيلم الأول الرائع: مع العلم أن دريدا D`ailleurs Derrida الذي أنجزته صفا فتحي سنة 2000). وخُصصت لك الكثير من الأعداد من بعض المجلات مثل ماغزين ليترير وأوروبا على وجه الخصوص كما أفردت لك كراسات هيرن Cahiers de l`Herne جزءا من أجزائها وكان غنيا بوجه خاص من حيث النصوص غير المنشورة التي ستصدر في الخريف. النشاط غزير في سنة واحدة، ومع ذلك فلا سرّ لديك، إنك...

٭ لتبُح بالأمر، إنني مصاب بمرض على جانب من الخطورة، تلك حقيقة وإنني أخضع لوسائل علاجية رهيبة. لكن لنترك ذلك جانبا، إذا شئت، فلسنا هنا من أجل تقرير صحي- عامّ او سرّي...

- فليَكُنْ. لكن لنعد في مدخل هذا الحوار الى أطياف ماركس Spectres de Marx (غاليليه، 1993). وهو عمل حاسم وكتابٌ يوقع مرحلة معينة، مخصص بأكمله لمسألة تتعلق بالعدالة في المستقبل ويُسْتسهَلّ بهذه الفاتحة المُلْغَزة:
»أحدُهُم أي أنت أو أنا يتقدم ليقول: اريد أن أتعلم فن العيش أخيرا«. بعد أكثر من عشر سنوات أين وصلت اليوم بشأن هذه الرغبة في »فن العيش
«؟

٭ الأمر يتعلق على وجه الخصوص بـ»أممية جديدة« وهو عنوان فرعي وفكرة محورية للكتاب. ومن وراء »المواطنية العالمية« cosmopolitisme ومن وراء »مواطن العالم« والدولة القومية العالمية الجديدة، يستبق هذا الكتاب كل الضرورات العاجلة »ذات النزعة العالمية المغايرة« قد يفرض علينا كما كنت أقول سنة 1993 عددا كبيرا من التحولات في القانون الدولي وفي المنظمات التي تسيّر نظام العالم (صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية ومجموعة الثماني، إلخ. ومنظمة الامم المتحدة بالخصوص التي لابد من تغيير ميثاقها في الأقل وتكوينها ومكان اقامتها أولا- أي أبعد ما يكون هذا المكان عن نيويورك...)

أما بخصوص القاعدة التي ذكرتها »تعلّم فنّ العيش في الأخير« فقد خطرتْ لي بعد أن أنهيت الكتاب. وهي تلعب أولا، لكن بجدّ بمعناها المشترك. فتعلُمُ فن العيش يعني النضج والتربية أيضا. ومخاطبةُ أحد الناس لتقول له: »سأعلّمك فن العيش« أحيانا بلهجة متوعّدة يعني انك تقول له سأكوّنك، بل أروّضك، ثم إن اللُّبس في هذا اللعب يهمني أكثر، هذا التأوه ينفتح أيضا على مساءلة أكثر صعوبة وهي: هل ان العيش من الأشياء التي يمكن تعلمها؟ وتدريسها؟ هل من الممكن أن نتعلم بواسطة الاختصاص discipline أم عن طريق التدرّب، عن طريق التجربة أم التجريب، كيف نَقْبل بالحياة بل كيف نؤكدها؟ ينعكس عبر الكتاب بأسره صدى هذا الانشغال بالموروث وبالموت. وهو انشغال يؤرق كذلك الأولياء وأطفالهم: متى ستصبح مسؤولا؟ كيف ستجيب في النهاية عن أمر يهم حياتك ويهم اسمك؟
وفيما يخصني- للاجابة دون مواربات على سؤالك- فإنني لم أتعلم أبدا فن العيش.؟ الأمر غير مطروح البتة! فتعلُّم فن العيش يفترض ضمنيا تعلّم الموت وأن يُدمج المرء في حسابه لقبول ذلك، حالة الموت المطلق (دون نجاة ودون بعث ودون خلاص [على يد المسيح]- ولا يصح الأمر بالنسبة الى الذات بل بالنسبة الى الآخر كذلك. ومنذ افلاطون لا يزال الأمر الفلسفي القديم قائما: حقيقة التفلسف تعني أن نتعلم كيف نموت.

إنني أعتقد بهذه الحقيقة دون الخضوع لها، وبصورة متناقضة. لم اتعلم القبول بالموت، كلنا أحياء مع تأجيل الموت (وينطبق التأكيد من وجهة النظر الجيوسياسية لكتاب أطياف ماركس- في عالم لا متكافئ أكثر من أي وقت مضى- على مليارات الأحياء، سواء أكانوا من البشر أم لم يكونوا، وقد مُنع عنهم- بالإضافة الى »حقوق الانسان« الأساسية التي ترجع الى قرنين من الزمن والتي تغتني بلا انقطاع - حقّهُم أولا في حياة جديرة بأن تُعاش). لكنني أظل غير قابل للتربية بالنسبة الى الحكمة المتعلقة بتعلم الموت. لم أتعلّم بعد ولم أكتسب أي شيء بهذا الصدد. وزمن وقت التنفيذ يضيق بشكل متسارع. ولا يعود ذلك الى مجرد كوني وريثا مع آخرين لعديد الأشياء الحسنة أو الرهيبة: ففي كثير من الاحيان، بحكم ان معظم المفكرين الذين أجد نفسي مُلحقا بهم قد ماتوا، يتم التعاطي معي بوصفي الباقي على قيد الحياة survivant : أي الممثل الأخير لـ»جيل« هو جيل الستينيات اجمالا؛ وهو أمر وإن لم يكن صحيحا تماما، فهو لا يوحي إليّ باعتراضات فقط بل بمشاعر تمرّد ممزوج بشيء من الكآبة. وبما ان بعض المشاكل الصحية علاوة على ذلك اصبحت ملحة، فإن مسألة البقاء او التأجيل التي سكنتني تماما على الدوام، في كل لحظة من لحظات حياتي، بصورة ملموسة ودون كلل، تتلوّن اليوم بلون آخر.

لقد اهتممت دائما بهذه المبحثية thematique الخاصة بالبقاء الذي لا ينضاف معناه لفعل العيش او فعل الموت. فالبقاء شيء أصلي: والحياة تعني البقاء. إن البقاء بالمعنى الشائع يعني مواصلة الحياة لكن كذلك الحياة بعد الموت. وبصدد الترجمة يشدّد فولتر بنجامين على التمييز بين البقاء بعد الموت من جهة uberleben مثلما يمكن لكتاب ان يعيش بعد موت مؤلفه او طفل ان يواصل الحياة بعد موت الوالدين وبين مواصلة الحياة من جهة أخرى fortleben living on . كل التصورات التي ساعدتني على العمل ولا سيما تصور الأثر او تصور الطيفي spectral كانت مرتبطة بـ»البقاء« بوصفه بعدا بنائيا. فهذا البعد لا ينحدر من فعل العيش أو فعل الموت. وهو لا يعدو أن يكون »المأتم الأصلي« وهذا الأخير لا ينتظر الموت الذي يعتبر »فعليا«.

- قد استعملت كلمة »جيل« وهو مفهوم دقيق الاستخدام، يتكرر في كتاباتك فكيف يتم تحديد ما ينتقل من جيل الى جيل بالنسبة إليك؟

٭ انني استخدم هنا هذه الكلمة بصورة فضفاضة تقريبا. يستطيع المرء ان يكون معاصرا و»خارج التاريخ« بالنسبة الى جيل سابق او جيل قادم. وحقيقة ان يكون المرء وفيّا للذين ينتسبون الى »جيلي« وأن أنصّب نفسي حارسا لتراث متمايز لكنه مشترك ذلك يعني شيئين: أولا التمسك بوجه الاحتمال- ازاء كل شيء وازاء الجميع- بمقتضيات متفق عليها بدءاً بلاكان الى ألتوسير ومرورا بلفيناس وفوكو وبارط وديلوز وبلانشو وليوتار وسارا كوفمان... الخ.!
دون ذكر العديد من المفكرين الكتّاب والشعراء والفلاسفة أو المحللين النفسيين الاحياء لحسن الحظ الذين كنت و ريثهم ايضا، وآخرين بلا ريب من الخارج وهم أكثر عدداً وأحياناً أكثر قرابة.


إنني أشير هنا من خلال الكناية metonymie الى جبلّة ethos للكتابة والتفكير، عنيدة بل غير قابلة للفساد incorruptible (تلقبنا هيلين سيكسو Helene Sixous بـ»غير القابلين للفساد«)، ودون تنازل بالنسبة الى الفلسفة، وهي لا تستسلم لعملية التخويف مما قد يفرضه علينا الرأي العام ووسائل الاتصال أو الاستيهام الخاص بجمهور القراء ذي التأثير المُرهب، من تبسيط وكبت. وذلك ممّا يفسّر الميل الصارم للتجويد raffinement والمفارقة والصعوبة المنطقية [للجمع بين رأيين متعارضين aporie ].

هذا التفضيل يبقى كذلك ضرورة. وهو لا يجمع فقط الاسماء التي ذكرتها بصورة اعتباطية تقريبا أي بصورة غير عادلة بل كذلك الوسط الذي كان يدعمهم. كان الامر يتعلق بنوع من العهد الذي قد انقضى وقتياً وليس بهذا الشخص او ذاك وحسب. فلابد من انقاذ ذلك او احيائه من جديد بأي ثمن. وهذه المسؤولية اليوم مسؤولية عاجلة وهي تستدعي حربا لا تلين على الرأي الجامد Doxa وعلى الذين اصبحنا نسميهم بالـ»مثقفين الاعلاميين« وعلى الخطاب العام الذي تحدد شكله السلطات الاعلامية المحتكرة بدورها بين أيدي مجموعات اللوبي السياسي- الاقصادي التي تهيمن في الغالب على قطاع النشر وعلى المجال الاكاديمي كذلك؛ في الاوساط الاوروبية والعالمية دائما بطبيعة الحال. المقاومة لا تعني وجوب تحاشي وسائل الاعلام. بل يجب، عندما تتوفر الامكانية، تطوير هذه الوسائل ومساعدتها على التنوع وتوظيفها من اجل تلك المسؤولية.

وفي الوقت نفسه، لا يجب أن ننسى أن في ذلك العهد »السعيد« لا شيء حقا قد كان يخدم المصالحة. كانت الاختلافات والخلافات على اشدها في ذلك الوسط الذي يمكن نعته بأي شيء ما عدا أن يكون متجانسا مثل ما قد يمكن جمعه على سبيل المثال تحت تسمية بلهاء من نوع »فكر٨٦« الذي غالبا ما يهيمن اليوم الشعار mot d`odre الخاص به وعنصر التهمة chef d`accusation على الصحافة وعلى الجامعة. غير ان هذا الوفاء- وان اتخذ احيانا شكل الخيانة والانزياح، لابد من الوفاء لتلك الاختلافات، أي مواصلة المناقشة. إنني فيما يخصني أواصل المناقشة- على سبيل المثال مع بورديو، لا كان، ديلوز، فوكو الذين يهمونني دائما اكثر بكثير من أولئك الذين تتهافت الصحافة عليهم اليوم (مع بعض الاستثناءات بطبيعة الحال)،. إنني أحافظ على هذا السجال حيا لكي لا يصبح مسطحا او ينحدر الى الاساليب التحقيرية.

ما قلته عن جيلي صالح بطبيعة الحال بالنسبة الى الماضي من التوراة الى افلاطون وكنط وماركس وفرويد وهيدغر، إلخ. لا أريد أن اتخلى عن أي شيء، لا يمكنني ذلك. أنتَ تعلم ان تعلّم فن العيش مسألة نرجسية دائما: نريد أن نعيش ما استطعنا سبيلا، نريد أن ننجو وأن نثابر وأن ننميّ كل تلك الأشياء التي- وان اصبحت في غاية الضخامة والقوة بالنسبة الى الذات- فهي تنتمي مع ذلك الى هذه »الأنا« الصغيرة، وهي أشياء تطغى على هذه الاخيرة من كل جانب.

عندما يًطلب مني التخلي عما ساهم في تكويني وعما أحببت الى حدّ بعيد فكأنما يُطلب مني أن أموت، في ذلك الوفاء ثمة نوع من غريزة الحفاظ على الوجود instint de conservation . إن التخلي مثلا عن صعوبة في الصياغة ، عن طيّة، عن مفارقة، عن تناقض اضافي لأن ذلك لم يُفهم بل لأن هذا الصحفي الذي لا يحسن قراءة هذا التناقض- بل انه لا يحسن قراءة عنوان الكتاب نفسه- يعتقد بأن القارئ أو المستمع لن يفهم أكثر وبأن النسبة المتابعة [في وسائل الاعلام] او مورد رزقه سيتأثران- كل ذلك يمثل بالنسبة لي بذاءة غير مقبولة. كأنما يُطلب مني أن أنحني وأن أخضع للاستعباد- او ان أموت لفرط البلاهة.
  رد مع اقتباس
قديم 09/01/2008   #229
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


قد ابتكرت شكلا وكتابة من أجل البقاء survivance تطابق ذلك التلهف على الوفاء. وهي كتابة الوعد الموروث والأثر الباقي trace sauvegardee والمسؤولية المفوّضة للآخر.

٭ لو كنت ابتكر كتابتي لجعلت من ذلك ثورة دائمة. في كل وضعية، يجب خلق صيغة عرض ملائمة واكتشاف الحدَث المتفرد واقامة وزن للمتلقي المتوقَّع او المرغوب فيه؛ كما يجب الادعاء في نفس الوقت بأن هذه الكتابة ستحدّد القارئ الذي سيتعلم قراءة ذلك (وبالتالي سيتعلم »العيش«)، وهي كتابة لا عهد له بها من جهة أخرى. ويُؤمل أن يولد القارئ مجدداً وفق تحديد مغاير: وكمثال على ذلك، تلك التطعيمات التي لا لبس فيها للشعري poetique على الفلسفي أو بعض الأساليب لاستخدام الجناس homonymies وما لا يُبثُ في أمره وحيل اللغة- أي تلك التطعيمات التي يقرأها معظم الناس ملتبسة لكي يتبيّنوا الضرورة المنطقية بمعناها الدقيق.
كل كتاب هو تربية [بيداغوجيا] موجهّة لتكوين القارئ. فالنتاجات الجماهيرية التي تجتاح الصحافة والنشر لا تكوّن القراء بل هي تفترض بصورة استيهامية قارئا مبرمجا مسبّقا، حتى انتهى بها الأمر الى تشكيل هذا المتلقي المتواضع الذي طرحته مسبّقا كمسلّمة. والحال ان انشغالي بالوفاء، مثلما تقول، في وقت يستلزم مني أن اترك أثرا ما، يجعلني لا أستطيع إلا أن أهيئ هذا الأثر لأي كان؛ بل انني لا أستطيع أن أوجهّه الى أحد ما بشكل خاص.
في كل مرة مهما بلغت درجة وفائنا، نكون بصدد خيانة خصوصية الآخر الذي نتوجه اليه. وبالأحرى، عندما نؤلف كتبا ذات طابع عمومي جدا: لأننا لا نعرف القارئ الذي نتوجه اليه فإننا نبتكر ونختلق أطيافا، لكن ذلك ليس من ممتلكاتنا. تبتعد عنا كل تلك الاشارات سواءٌ أكانت شفهية أو مكتوبة وتشرع في التحرك بصورة مستقلة عنّا، مثلما هو شأن المَكَنات، وفي أحسن الحالات مثل الّدمى- إني أبيّن ذلك بشكل افضل في كتابي ورق المكنة Papier machine (غاليليه، 2001)، عندما أسمح (بنشر) كتابـ»ي« (ولا أحد يجبرني على ذلك) فانني أصبح (الظاهر والمختفي) مثل ذلك الطيف المتعذر تأديبه الذي لم يكن قد تعلّم فن العيش مُطلقا. إن الأثر الذي أتركه يعني بالنسبة لي موتي الذي سيأتي أو موتي الذي قد حدث وأملي في أن يبقى بعدي. وليس الأمر توقا للخلود بل ان المسألة بنائية. أترك في مكان ما قصاصة ورق ثم أمضي وأموت: من المستحيل أن اغادر هذه البنية فهي شكل حياتي الدائم. كلما تركت شيئا ما يمضي، فانني أعيش موتي في الكتابة. المحنة القصوى: هي أن نخسر ما نمتلك دون أن نعرف بدقة الشخص الذي يُعهد إليه بالشيء الذي نتركه. من سيرث وكيف؟ هل سيكون ثمة ورثة؟ هذا سؤال يمكن أن نطرحه اليوم على أنفسنا أكثر من أي وقت مضى. وهو يشغلني باستمرار.
زمن ثقافتنا القائمة على التقنية techno-culture قد تغيّر جذريا في هذا الصدد. قد تعوّد المنتسبون الى »جيلي« وبالاحرى الى الاجيال السابقة على ايقاع تاريخي معيّن: فكان يسود اعتقاد بأن هذا العمل او ذاك يمكن أن يبقى او ألاّ يبقى حيّا، تبعا لمزاياه مدة سنة او سنتين بل مثل أفلاطون مدة خمسة وعشرين قرنا. غير أن تسارع ضروب الأرشفة اليوم بل تسارع التلف والإبادة كذلك أشياء تغيّر بنية الموروث وزمنيته. أما بالنسبة الى الفكر فإن مسألة البقاء ستتخذ أشكالا غير متوقعة بالمرة.
في عمري هذا، أنا مستعد لأكثر الفرضيات تناقضا بهذا الشأن: وإني أحس في نفس الوقت، وأرجو أن تصد\قني، بشعوريْن، فمن جهة سأقول معبرا عن ذلك مبتسما وبلا احتشام، إن الناس في الواقع لم يشرعوا في قراءتي وإن الأمر سيحظى بالظهور فيما بعد، عندما يتوفر حقاً الكثير من القراء الممتازين (ربما بضعة عشرات من العالم)؛ ومن جهة أخرى فلا شيء سيبقى على الاطلاق بعد خمسة عشر يوما أو بعد شهر على موتي، سوى ما يحفظه الايداع القانوني في المكتبة. أؤكد لك انني أؤمن بصدق وفي الوقت نفسه بهاتين الفرضيتين.

- في صلب ما تؤمله، توجد اللغة واللغة الفرنسية أولا. وعندما نقرؤك ، نحس في كل سطر بشدة شغفك بها. وفي كتابك أحادية لغة الآخر Le Monolinguisme de l`autre (غاليليه، 1996)، ستذهب الى حدّ تقديم نفسك بتهكم بوصفك »آخر المدافعين عن اللغة الفرنسية والمعبّرين عنها«..

٭ وهي ليست ملكي رغم انها الوحيدة التي »أجدها« تحت تصرفي (ومع التحفظ أيضا!). تجربة اللغة ترتبط بالحياة بطبيعة الحال، وهي ترتبط بالموت إذن. ولا طرافة في ذلك. وقد جعلتْ مني الطوارئ يهوديا من يهود فرنسا في الجزائر المنتسبين الى الجيل المولود قبل »حرب التحرير«: وهذه كلها خصوصيات، ضمن اليهود بالذات وضمن يهود الجزائر أنفسهم. كما ساهمتُ في تحوّل عجيب لليهودية الفرنسية في الجزائر: فقد ظلّ والدو أجدادي قريبين جدا من العرب بواسطة اللغة والعادات... إلخ.
بعد صدور مرسوم كريميو decret Cremieux (1879) في نهاية القرن التاسع عشر، تَبَرجَز الجيل الموالي: فقد ربّتْ جدتي بناتها كما كانت تُربي البرجوازيات الباريسيات (حسب أفضل الاساليب المتبعة في الدائرة السادسة عشرة، وبتلقي دروس في البيانو...) رغم انها تزوجت سرا تقريبا في الساحة الخلفية لعُمديّة في الجزائر العاصمة بسبب حركة استئصال اليهود pogroms (في غمرة قضية دريفوس). ثم أتى جيل والديّ: وهو يتكون من القليل من المثقفين، ومن التجار بالأخص، سواء أكانوا من المتواضعين أم لم يكونوا، من بينهم أولئك الذين كانوا يستغلّون الوضعية الاستعمارية ليقوموا بالتمثيل الحصري للعلامات التجارية الكبرى في العاصمة: فبتهيئة مكتب صغير ذي عشرة امتار مربّعة، دون سكرتير، يمكن تمثيل كل »صابون مرسيليا« في افريقيا الشمالية- وإني هنا أبسّط الأمر قليلا.
ثم أتى جيلي (ومعظمه يتكوّن من المثقفين المنتسبين الى المهن الحرة والتعليم والطب والقانون... إلخ). وتحوّل كل هؤلاء تقريبا الى فرنسا سنة 1962. أما أنا فقد انتقلت إليها قبل ذلك أي سنة (1949). وفي عهدي أنا كانت قد بدأتْ- وفي كلامي شيء من المبالغة- الزيجات »المختلطة«، بصورة شبه مأساوية وثورية ونادرة وغير معلومة العواقب. ومثلما أحب الحياة وأحب حياتي فإني أحب ما قد شكّلني والذي تمثل اللغة مجاله الحيوي نفسه، تلك اللغة الوحيدة التي علّموني كيف أُعنى بها وهي أيضا الوحيدة التي يمكنني أن أقول إنني مسؤول عنها تقريبا.
لهذا توجد في كتابتي طريقة في تناول هذه اللغة لن أقول إنها شاذة بل هي عنيفة شيئا ما. فالحب عموما يمر عبر حب اللغة وهو ليس قوميَّ النزعة ولا محافظا، لكنه يقتضي البراهين، ويقتضي التجارب. لا نصنع أي شيء باللغة فهي موجودة قبلنا وتبقى بعدنا. إذا ألحقنا باللغة شيئا، علينا أن نفعل ذلك بطريقة مُرهفة محترمين في اللااحترام قانونها الخفيّ. ذلك هو الوفاء غير الوفيّ: فعندما أغصبُ اللغة الفرنسية على شيء إنما اصنع ذلك باحترام، مُرهفٍ لما أعتقد أنه من أوامر هذه اللغة في حياتها وفي تطورها. إنني لا أقرأ دون أن أبتسم وأحيانا باحتقار أولئك الذين يعتقدون بأنهم يغتصبون دون حب في الحقيقة رسم الكلمات او النحو »الكلاسيكييْن« لفرنسية معينة، بهيئة صبيان لا يتجاوزون القذف السريع puceaxa ejaculation precoce ، بينما تشاهدهم اللغة الفرنسية العظيمة يفعلون ذلك وهي بعيدة المنال أكثر من أي وقت مضى، ثم تنتظر من سيأتيها. إنني أصف هذا المشهد المثير للسخرية بصورة قاسية نوعا ما في كتابي البطاقة البريدية La Carte postale (فلامريون، 198.
إن ترك آثار في تاريخ اللغة الفرنسية هو الذي يهمني. فأنا أحيا بهذا الشغف، إن لم يكن من أجل فرنسا فهو على الأقل من أجل شيء ما قد انصهر فيها منذ قرون. وأرى أنني اذا كنت أحب هذه اللغة مثلما أحب حياتي وأحيانا أكثر مما يحبها هذا الشخص أو ذاك من اصل فرنسي، فإنني أحبها كأجنبي قد تمت استضافته وقد تَمَلَّك هذه اللغة بوصفها اللغة الوحيدة الممكنة بالنسبة إليه. فهي شغف ومجال للتنافس الدائم.
كل فرنسيي الجزائر يقاسمونني ذلك، سواءٌ أكانوا يهودا أم لم يكونوا. وكان القادمون من عاصمة الدولة الاستعمارية غرباء مع ذلك: بوصفهم مضطهدين ومعياريين ومناصرين للتسوية ودعاة للأخلاق. كان ذلك يشكل ثوبا خارجيا ومظهرا للتطبع habitus وكان يجب الخضوع. عندما كان يحل أستاذ من عاصمة الدولة الاستعمارية بنبرته الفرنسية، كان يُعتبر مدعاة للسخرية! من هنا تأتي روح التنافس الدائم: فليس لي سوى لغة واحدة، وفي نفس الوقت فإنني لا أمتلك هذه اللغة. وقد هيَّجتْ حكاية متفردة هذا القانون الكوني في داخلي: فاللغة لا تُمتلك، بصورة طبيعية وجوهرية. ويفسّر ذلك استيهامات الملكية ونزعة التملّك والفرض الاستعماري.

- غالبا ما تجد صعوبة في أن تقول »نحن«- »نحن الفلاسفة«، أو »نحن اليهود« على سبيل المثال. لكن بقدر ما تنتشر الفوضى العالمية الجديدة، يقلّ تحفّظك شيئا فشيئا للقول: »نحن الأوروبيون«. وقد سبق وأن قدّمت نفسك في كتابك الرأس الآخر L`Autre Cap (غاليليه، 1991) الذي ألفته في أثناء حرب الخليج الأولى بوصفك »أوروبيا، قديما« أو »صنفا من الخلاسيين الاوروبيين«.

٭ سأذكّر بشيئين: أولا إنني أجد صعوبة بالفعل في أن أقول »نحن«، لكن يعرضُ لي قولُ ذلك. ورغم كل المسائل التي تعذّبني في هذا الشأن بدءاً بالسياسة الكارثية التي تمارسها اسرائيل- وتمارسها صهيونية معينة (ذلك أن اسرائيل لا تمثل في نظري الديانة اليهودية بقدر ما تمثل الشتات اليهودي diaspora وهي لا تمثل الصهيونية العالمية أو الاصلية التي كانت متعددة ومتناقضة، فثمة من جهة أخرى كذلك سلفيون مسيحيون يزعمون أنهم صهاينة أصليون في الولايات المتحدة الأمريكية. وقوة مجموعاتهم اللوبية مؤثرة أكثر من التجمع communaute اليهودي الأمريكي دون الحديث عن التجمع السعودي حسب التوجه المشترك للسياسة الأمريكية- الاسرائيلية)- واذن رغم ذلك كله ورغم العديد من المشكلات الأخرى التي لديّ مع »يهوديتي« فإنني لن أنكرها مطلقا.
  رد مع اقتباس
قديم 09/01/2008   #230
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


سأقول دائما، في وضعيات معينة »نحن اليهود«. هذه الـ»نحن« المؤرقة الى حدّ بعيد موجودة في صميم ما يشغلني أكثر من سواه في فكري أي فكر من سميته بشبه ابتسامة »آخر اليهود«. وقد تكون الصفة اليهودية في فكري ما يقوله ارسطو بعمق عن الصلاة (eukhe): إنها ليست بالصحيحة ولا الزائفة، وهي من جهة أخرى صلاة بالتمام. فلن أتردد إذن في وضعيات معينة في قول »نحن اليهود« وكذلك »نحن الفرنسيون«.
ثم إنني منذ بداية عملي، أي عملي المتعلق بـ»التفكيك« بالأخص ظللت محافظا الى أبعد حد على حسّي النقدي بالنسبة الى المركزية الأوروبية، من حيث حداثة صياغاتها عند فاليري وهوسرل او هيدغر على سبيل المثال. فالتفكيك عموما هو مشروع اعتبره الكثير- عن صواب- بمثابة ريبة بخصوص كل شكل من اشكال المركزية الاوروبية. وعندما يحدث اليوم أن أقول »نحن الأوروبيون«، يكون الأمر ظرفيا ومختلفا جدا. فكل ما هو قابل للتفكيك في التقليد الاوروبي لا يمنع في الحقيقة بسبب ما حدث في أوروبا وبسبب الأنوار وبسبب انحسار تلك القارة الصغيرة وجسامة مسؤوليتها التي سترعد ثقافتها (الكليانية والنازية والمجازر الجماعية وإبادة اليهود والاستعمار وإزالة الاستعمار... إلخ)، [لا يمنع] اليوم أوروبا وهي أوروبا جديدة لكن بنفس الذاكرة- في الوضعية الجيوسياسية التي هي وضعيتنا- من امكانية ان تتوحد (وتلك رغبتي على اية حال) في آن واحد ضد سياسة الهيمنة الامريكية (تقرير فولفويتز، تشيني، رامسفيلد... الخ). وضد ثيوقراطية عربية- اسلامية دون (أنوار) ودون مستقبل سياسي (لكن علينا ألاّ نهمل التناقضات والتباينات بين هاتين المجموعتين ولنتحالفْ مع أولئك الذين يقاومون في الداخل هاتين الكتلتين). تجد أوروبا نفسها خاضعة لأمر الاضطلاع بمسؤولية جديدة. إنني لا أتحدث عن المجموعة الأوروبية مثلما هي موجودة أو تتشكل ملامحها من خلال أغلبيتها الحالية (ليبرالية جديدة) وتتهددها افتراضيا الكثير من الحروب الداخلية، بل إنني أتحدث عن أوروبا مستقبلية وهي بصدد البحث عن نفسها؛ في أوروبا (»الجغرافية«) وخارجها. وما يُسمى - جبريا - algebriquement بـ»أوروبا« كيانٌ لديه مسؤوليات عليه أن يضطلع بها من أجل مستقبل الانسانية ومن أجل مستقبل القانون الدولي- هذا هو إيماني وهذا هو اعتقادي. وهنا لن اتردد في القول »نحن الاوروبيون«. لا يتعلق الأمر بأن نتمنى لأوروبا أن تتشكل كقوة عسكرية عظمى - أخرى وأن توازن الكتل الأخرى بل نريد لها أن تأتي لتبذر بذرة سياسة عالمية أخرى. وهي بالنسبة لي الخلاص الوحيد الممكن.

إن هذه القوة على الطريق. وإن كانت دوافعها لا تزال ملتبسة. وأعتقد أن لا شيء سيوقفها اطلاقا. عندما أقول: اوروبا، فإني أعني ما يلي: أوروبا ذات نزعة عالمية مغايرة altermendialiste تغيّر مفهوم السيادة والقانون الدولي والتطبيقات الخاصة بهما. وتكون مجهّزة بقوة عسكرية حقيقية، مستقلة عن منظمة حلف شمال الاطلسي وعن الولايات المتحدة الامريكية أي بقوة عسكرية لا هجومية ولا دفاعية ولا استباقية تتدخل دون تأخير لتطبيق قرارات تصبح محترمة في النهاية من قبل منظمة جديدة للامم المتحدة (تتدخل على سبيل المثال على وجه السرعة في اسرائيل وفي أماكن أخرى كذلك). وأوروبا هي أيضا المكان الذي يمكن انطلاقا منه أن نتأمل بصورة أفضل في شأن بعض أوجه اللائيكية مثلا، او العدالة الاجتماعية والكثير من الموروثات الاوروبية.
ما أسميه »تفكيكا«، وإن كان موجّها عكس شيء معيّن ينتمي الى أوروبا، فهو اوروبي وهو حصيلة وعلاقة بالذات بالنسبة الى أوروبا كتجربة للغيرية الجذرية. منذ عهد الأنوار، تمارس اوروبا النقد الذاتي باستمرار، وفي هذا الموروث القابل للتحسين يوجد وعد بالمستقبل. وإنني اريد على الاقل أن أطمح لذلك، وهو ما يغذي سخطي إزاء خطابات تدين أوروبا نهائيا كما لو انها لم تكن سوى المكان الذي تدور فيه جرائمها.

- بخصوص أوروبا، ألست في حرب على نفسك، فمن جهة أنت تسجّل ان اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر تدمر القواعد الجغرافية القديمة للقوى المطلقة موقّعة بذلك أزمة تصوّر معيّن للسياسة تعتبره أنت خاصا بأوروبا؛ ومن جهة أخرى تصرّ على الارتباط بتلك الروح الاوروبية وبالمَثَل الأعلى الكوزموبولياني أولا بالنسبة الى قانون دولي تصف في واقع الأمر مدى تدهوره، أم هل أن الأمر يتعلق بمسألة البقاء؟..
.


٭ يجب »استنهاض« (Aufheben) الشأن الكوسموبوليتيكي (أنظروا أيها المواطنون العالميون في كل البلدان، لابد من المزيد من الجهد!
Cosmopolites de tous les pays encore un effert!، غاليليه، 1997).
عندما نقول (بوليتيك) فإننا نستخدم كلمة يونانية وتصورا اوروبيا قد افترض الدولة دائما، وشرط (المدينة) polis المرتبط بالأرض القومية وبالانتساب للموطن الاصلي. ومهما كانت الوقائع داخل هذا التاريخ يظل هذا التصوّر للشأن السياسي مسيطرا في نفس اللحظة التي تقوم فيها الكثير من القوى بتمزيقه: فسيادة الدولة لم تعد مرتبطة بالاقليم ولا بتكنولوجيات التواصل والاستراتيجيا العسكرية، وهذا التمزيق يدفع بالفعل بالتصور الاوروبي القديم للشأن السياسي الى الازمة، وكذلك يفعل بتصوّر الحرب وتصور التمييز بين المجال المدني والمجال العسكري وتصوّر الارهاب القومي او العالمي.
لكنني لا أعتقد بأن علينا أن نحتدّ ضد الشأن السياسي. وكذلك هو الأمر بالنسبة للسيادة التي أعتقد انها نافعة في بعض الوضعيات، لمقاومة بعض القوى العالمية للسوق على سبيل المثال. ويتعلق الأمر هنا أيضا بموروث اوروبي لابد من الحفاظ عليه وتغييره في آن واحد. وهو ما صرحت به كذلك في كتابي المارقون Vouous (غاليليه، 2003)، عن الديمقراطية باعتبارها فكرة أوروبية لم يسبق لها ابدا في نفس الوقت وأن تحققت بصورة مرضية، وتظل من الأشياء المأمولة في المستقبل. وستجد عندي بالفعل هذا السلوك على الدوام والذي لا أجد له تعليلا نهائيا سوى انني أنا نفسي وليس غيري، أقف في نفس المنطقة.
إنني في حرب على نفسي بالفعل ولا تستطيع أن تدرك الى أي مدى- وأبعد مما تخمّن - عندما أقول أشياء متناقضة تكون بصراحة متوترة بصورة فعلية، تبنيني هذه الأشياء وتجعلني أعيش وستجعلني أموت. أنظرُ الى هذه الحرب احيانا بوصفها حربا مرعبة وقاسية لكنني ادرك في الوقت نفسه انها الحياة. ولن تقرّ عيني إلا في راحتي الأبدية. إذن لا أستطيع القول بأني أتحمّل هذا التناقض لكنني أيضا أعلم جيدا أن ذلك هو ما يبقيني حيا ويجعلني أطرح السؤال الذي كنت أنت قد طرحته: »كيف يتعلم المرء فنّ العيش؟«.

- في كتابيْك الصادريْن حديثا (فريدة هي في كل مرة نهاية العالم Chaque fois unique la fin du monde وحُملان Beliers ، غاليليه، 2003)، عدت الى مسألة الخلاص الهامة والحداد المستحيل وبكلمة واحدة مسألة البقاء. فإذا كان من الممكن تحديد الفلسفة بوصفها »الاستباق المنشغل بالموت« (أنظر rne الموت Donner la mort ، غاليليه، 1999)، فهل نستطيع ان نتصور »التفكيك« بمثابة إتيكا [فن لممارسة الذات] للباقي على قيد الحياة.

مثلما سبق وأن ذكرّت بذلك منذ البداية وقبل التجارب الخاصة بمواصلة البقاء survivance بكثيرٍ، أي تلك التي اصبحت الآن تجاربي، أشرت الى أن البقاء تصوّر مبتكر يشكّل نفس البنية لما نسميه الوجود، الدزاين Da-sein ، إذا شئت، إننا من الباقين- على الصعيد البنائي- الموسومين بتلك البنية الخاصة بالأثر trace والوصية. ولكنني لا أريد- بعد قولي هذا- أن يُطلقَ العنان للتأويل الذي تُعتبر بحسبه مواصلةُ البقاء أقرب الى جهة الموت والماضي، منها الى جهة الحياة والمستقبل. كلاّ ، فالتفكيك موجود دائما الى جانب الـ نعم، وتأكيد الحياة.

كل ما أقوله- انطلاقا من خطوات Pas على الأقل (ضمن أنحاء Parages ، غاليليه، 1986)- عن البقاء بوصفه تعقيدا للتعارض (حياة- موت) ينبع لديّ من تأكيد غير مشروط للحياة. فما يتبقى حيّا survivance هو الحياة فيما وراء الحياة وهو الحياة أكثر من الحياة، ولا علاقة للخطاب الذي أقيمه بجلب الموت، بل على العكس هو تأكيد الحيّ الذي يفضّل العيش والبقاء على الموت، لأن البقاء ليس فقط ما يمكُث بل هو الحياة الأكثر كثافة ممكنة. وإنني لا أكون ابدا مسكونا بضرورة الموت الى هذا الحدّ إلاّ في لحظات السعادة والاستمتاع. إن الاستمتاع وبكاء الموت الذي يترصّدنا أمر واحد. وعندما أتذكر حياتي، أميل الى الاعتقاد بأنني حظيت بحب اللحظات الشقية نفسها من حياتي وبمباركتها. أي بحب كل تلك اللحظات تقريبا باستثناء شيء بسيط. وعندما أتذكر اللحظات السعيدة، أباركها أيضا بطبيعة الحال وهي في نفس الوقت تدفع بي إلى التفكير في الموت والى الموت لأن الأمر قد انقضى وانتهى.




عن مجلة نزوى
العدد 42 أبريل 2005
  رد مع اقتباس
قديم 10/01/2008   #231
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


حوار مع غادة السمان
  رد مع اقتباس
قديم 10/01/2008   #232
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


مهمة المبدع الأساسية خدمة الحقيقة ومقاومة الاضطهاد


حوار : جان الكسان


ثلاثة عقود.. وأكثر من ثلاثين كتاباً ... وسيرة حافلة لاديبة استثنائية تمثل عالماً يمكن أن يسمى اقتحامه مغامرة مفعمة بالاثارة على الرغم من أنه لم يسبق ان كتب عن أديبة معاصرة, بالحجم والنوع اللذين كتب بهما عن غادة السمان بعد ان ترجم ادبها الى أكثر اللغات الحية في العالم, وتم تدريسه في عدد من الجامعات كأدب مقارن وكان السؤال الذي يؤرقني دائماً بعد هذه الزمالة الطويلة مع أديبتنا المتميزة, وبعد مئات الرسائل المتبادلة بيننا على مدى ثلاثين سنة: ماذا يمكن أن أضع أمامها من اسئلة لحوار صحفي بعد مئات الحوارات التي عقدت معها حتى الآن وبعد خمسة مهمة عن أدبها وضعها كبار النقاد العرب؟
النمو داخل الكتابة
*بعد تجربتي الفنية في معايشة مؤلفاتك ورسائلك والزوايا التي تكتبينها في الدوريات والحوارات المتنوعة معك, أشعر ان التعامل مع نصك يثير في الذهن جدلية مسبقة تنتهي الى مقولة تؤكد انك (تجريبية) ولكن ليس بالمعنى المتداول للكلمة, فنحن نتوقع دائما ان لديك اضافات لا نتوقعها الى الابجدية العربية .. وكأننا على موعد متجدد معك ..
*كيف تفسرين هذا؟!

ـ الحياة قصيرة والفن شاسع .. هذا ما يقوله جوته .. وما من كتاب في العالم يقول كل شيء, ويتسع لكل شيء .. وأحب أن استدرك لأقول ان القرآن الكريم مستثنى من هذه المداخلة. هذا هو احساسي دائماً عندما أكتب, وعلى الرغم من ذعري وشجاعتي في آن واحد, وعملي الطويل المسبق على الرواية, تأتي لحظة الاكتشاف جديدة ومشحونة, ومشحونة بحب الاكتشاف. أنا تجريبية حتى لحظتي الأخيرة, وهاوية لا محترفة, لأنني انمو داخل الكتابة لا خارجها.

* على الرغم من التماهي البادي بينك وبين شخصيات, عدد من رواياتك, فهناك سؤال مطروح بالحاح: لماذا لا ـ تكتبين ما يسمى (السيرة الشخصية) وهل نعتبر (الاعمال الروائية غير الكاملة) بداية مثل هذا المشروع؟

ـ سبق أن نشرت (الأعمال غير الكاملة) التي سبق واصدرتها بعد نشرها في الصحافة في أربعة عشر جزءاً, وهي بالطبع غير (الأعمال الروائية غير الكاملة), وقد انجزت واصدرت الجزء الأول من السلسلة الروائية الذي ضم (الرواية المستحيلة) وما أرغب قوله ليس بالضرورة ان يأخذ القالب التقليدي للسيرة الذاتية لانني أجدني معه بحاجة الى قالب الرواية, ولعل كل كتابة روائية هي بمعنى ما محاولة اختراع صياغة روائية جديدة فيها يتسع لعالم موضوعي معادل لهواجس الروح وجموحها وانكساراتها وتساؤلاتها واحلامها المستحيلة والممكنة في آن واحاحد.

*نرى أنك تتهربين من الرد على سؤالنا حول عدم كتابة سيرتك الذاتية حتى الآن, على الرغم من ان كثيرين ألحوا عليك من أجل ذلك؟

ـ سأقول لك باختصار: الذين يطالبونني بكتابة ونشر مذكراتي سيكونون أول المحتجين على ما فيها من حقائق .. ومع ذلك قد يأتي يوم واكتبها .. وعندما يحدث ذلك لن أجامل نفسي ولن أجامل سواي, وذلك بسبب ما سيكون فيها من صدق ومن رفض لتقديس البشر.

طفل في غابات الدهشة

* لماذا هذا التنويع في أساليب تعبيرك الأدبي؟ ... أي لماذا الكتابة بأساليب متعددة؟

ـ لأنني هاوية كتابة كما قلت لك ولست محترفة, لايهمني لقب (الوجاهة الأدبية) كألقاب (روائية) أو (شاعرة) فأنا أكتب ما يحلو لي حين يحلو لي, دونما خوف على (سمعتي) الأدبية, والفنية .. الكتابة قدري وحريتي, وهي رصانتي وعبثي في آن .. أريد أن أذهب إليها كطفل يسير الى غابات الدهشة, لا كعضو في المجمع الأدبي.

  رد مع اقتباس
قديم 10/01/2008   #233
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


*هل تعتبرين ان ملف غسان كنفاني قد أغلق بعد كل ما نشر عنه؟


ـ ملف غسان كنفاني مفتوح للحقيقة وللتاريخ ... فقد شكل كتاب (الرسائل) وما جاء بعده, أقوى ضوء سلط على غسان كنفاني, وكانت له اصداء أكثر من مهرجانات التأبين التي أقيمت له على مدى عقدين من الزمن .. لقد أعاده هذا الكتاب حيا بكامل بهائه الانساني لانني وجدت حقيقته أجمل من تمثاله, ولم يسئ أحد إلى غسان كنفاني بقدر ما أساء إليه الذين اتهموني بتشويه صورته, فأنا لم أزور الرسائل ولم أستتر عليها لأنني لم أر فيها ما ينتقص من عظمة غسان, بل ما يضيف اليها.

* هل تعتبرين أدبك متمرداً؟


ـ لا أحب التعريفات الجاهزة والمسبقة الصنع .. فأنا اعتبر حرفي (تظاهرة) احتجاج دائمة, وعلى شرفات قلبي رفعت أعلام رفض الازدواجية والرياء والجبن .. لدي نفور فطري من الصغائر والمكائد والدسائس, ولا أرتاح للعيون المؤثثة بالفخاخ والخبث الحسود, الواقع هو الزلزال الذي يحرك صوان اللغة بين الانهيارات والجنون, ويطلق شررها, أما الخيال فيخترع لها موقداً أو شمعة أو نهراً بركانياً .. لا تحضر المخيلة ولا نتقد الا عبر شرارات الواقع.


* قلت انك أديبة تجريبية .. فماذا عن الحداثة, وهل (اقتران) الحداثة في الروايات, ومنها رواياتك, أمر مفتعل واستعراض كما يقول البعض؟


ـ انا أمرأة عربية حتى قاعي .. وجوعي الى التجديد لا صلة له بمقتضيات العصر, بل بأصولي البدوية .. أنا بدوية رحالة في صحارى الكلمة, أريد أن أرى, وأن أجرب, وأذوق القمح والسراب .. عشت طويلاً في الغرب بما يكفي لتحصيني ضد الانبهارية, ولتطعيم أدواتي بما هو انساني وجوهري ــ في نظري ــ مع نبذ العقد النفسية لمرض التجديد الأعمى .. التجديد ينبع من داخلي من حيرة داخلية ممتزجة بمشاعر بالنقص أمام العصر, فأنا كعربية جزء من شهية صياغة العصر, ولست ضيفة على مائدته, لقد كان أسلافنا ومنهم المتنبي, امراء الحداثة في عصرهم, وأحب أن أستلهمهم في خطابي.

جبانة أمام الحب


* نصل إلى الحب .. ماذا عنه؟


ـ للحب مساحة كبيرة من حياة كل منا .. لعلي أحب الحب وأكره الحبيب, ثم انني عاشقة مزمنة للحرية, ولعل الكاتب يحب في النهاية انساناً واحداً ليس بوسعه ان يلتقيه ابداً .. ثمة حكايات تدفعنا, ومشاعر لا تنسى مفعمة بالحب أو الكراهية أو المرارة, أو كلها مجتمعة, فالحب ثنائية, وكل اقتراب يحمل في طياته نفوراً, كما ان كل ولادة مشروع وفاة .. أنا جبانة أمام الحب الحقيقي الكبير, ارتبك وأعود أمية, وارتكب الاخطاء الاملائية العاطفية كلها, واشبه بذلك أصحاب القلوب الهشة, الكتابة هي حبي الكبير .. وانها وحدها التي لا تخذلني, ويمكن القول انني في الحب عمياء, والكتابة عكازي, ولكن ممحاة النسيان حقيقة كبيرة كالحب نفسه.

* على الرغم من طغيان الفضائيات وبرامجها على حياة الانسان العصري, والادعاء بأنها أبعدته عن القراءة نفاجأ كل يوم بصدور صحيفة أو دورية جديدة أو مجلة (نسائية) بصورة خاصة, بماذا تعلقين على هذا الطوفان الجديد؟ ـ أطلق علي هذا السؤال بصيغة قريبة من صيغة سؤالك, وأجيب باختصار وأقول: أنا مع الحرية .. مع حرية الاصدارات, وحرية اختيار الشعارات المعلنة (أو المضمرة) .. واعتقد أن التوهج ينمو في ظل المنافسة, والعاصفة تزكي شعلة الجمرة .. كما المجلات النسائية وليست دائماً بعيدة عن العقل, والتسميات غير مهمة بقدر أهمية الأفعال, وفي النهاية ينفقىء الزبد ويبقى ما ينفع.

من حيث المبدأ, من حق الجميع اصدار ما يحلو لهم من ابداع, أو هراء, واطلاق ما يحلو لهم من أسماء .. ومن حيث المحصلة فإن اسم الوردة لا يهم, المهم هو عطرها الذي سيفوح.

النص التخريبي * يقول أحد النقاد: لا جدوى من أي نص أدبي, في الزمن العربي الراهن, شعرياً كان أم نثرياً, ما لم يكن نصاً تخريبياً في الدرجة الأولى .. بماذا تعلقين على هذا القول؟ ـ كل نص ابداعي هو نص تخريبي بمعنى ما : انه نص مكرس لتخريب الخراب, ذلك الخراب الذي لا يلحظه بعض الناس عادة, ويتوهمونه نعيماً موروثاً مكرساً, ويصفونه قانعين بأنه (ليس بالامكان أفضل مما كان) .. هذا الجحيم الداجن يرفضه الفنان .. فالمبدع ليس أداة تخريب لكنه قد يبدو هكذا من الخارج لمن لا يفهمه جيداً .. كل ما يرغب الفنان في تدميره هو تلك الهياكل والمؤسسات, هائلة الحجم, والتي فرغت تماماً من مضمونها بعدما تجاواوزها الزمن, أو أثبت العصر سقوطها, لكن (مافيا المكرسات) تجد في الفنان خصماً خطراً, لانه يحول بينها وبين استمرار تحذيرها المجتمعات الماجنة من أجل استمرار استغلاله لها .. الفنان هو الذئب النبيل الذي لا يريد التهام ليلى (كما في قصة ليلى والذئب للأطفال).

الفنان عدو التدجين .. عدو التكرار والخنوع الفنان لا يخرب حقاً .. وكل ما يفعله هو أنه يهز القصور الكرتونية كي تسقط, ويتأكد الناس هل أنها كانت طوال الوقت مزيفة وخاوية من الحنان والمحبة والعطاء, الفنان يخرب الخراب كخطوة في درب تذكير الناس بضرورة البناء باستمرار.

* كيف تتحدد العلاقة لديك بين الخاص (الكاتب) والعام (العالم)؟ ـ هناك خطأ نقدي شائع يفصل بشكل قاطع واعتباطي بين ما يسميه (الخاص والعام) و(الكاتب والموضوع) و(المرحلة الذاتية والمرحلة الواعية). أنا أعتقد أن الكاتب والعالم يمتزجان منذ البداية في داخله وتلك الشبكة من العلاقة الجدلية بين الخاص والموضوع هي متداخلة الخيوط ومتلاحمة بحيث يستحيل التمييز بينها واجراء (قسمة) على الخيوط.

* ما الحدود التي تفصل أو توحد اتجاهاتك الابداعية في التوثيق والفانتازيا واعتماد الواقعية المفتوحة؟


ـ جميع المدارس الفنية تحاول حصر الواقع في خطها, علما انه ليس هناك واقع واحد عند الانسان, فلكل انسان أكثر من حقيقة واحدة, وهو يتفاعل على المستويات كلها من سياسية وغيبية ونفسية واقتصادية داخل شبكة عنكبوتية شاسعة لا متناهية من الفعل ورد الفعل واللا فعل, وحتى الواقع (الفانتازي) ليس في جوهره (فانتازيا) مجردة بل هو جزء من الواقع المعاش, فالحلم, الكابوس, الموت, الجنون, الماورائيات, المرض, الوحدة, هذه كلها وجوه يومية معاشة من وجوه الحقيقة اللامتناهية, وهكذا فالأساليب ا الروائية هي عندي, وسيلة لاغاية, انها شبكة صيد الحقائق من بحر الأزلية, لكنها ليست الطريدة, ومن هنا فإن الموضوع عندي هو الذي يختار أسلوبه ليس هناك واقع موضوعي ساكن أبدي, ولهذا فإن الفنان بحاجة الى المزيد من الادوات بدلاً من حرمان نفسه مما تقدم منها وما تأخر .. أما الحدود؟ فلا حدود .. كل شيء مباح ما دام الابداع موجوداً بما في ذلك حقه بالخطأ.
  رد مع اقتباس
قديم 10/01/2008   #234
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


آخر همومي * في أي موقع تضعين نفسك بين كتاب القصة والرواية العربية؟ ـ هذا آخر همومي أتمنى للطليعة المثقفة ان تعمل كفريق لا أن ينظر كل فرد فيها الى نفسه على انه والياً لا قطاعية ادبية لها حدودها وراياتها وجنودها ومعاركها الفردية.

مشدودة .. كوتر عود عباسي * ما هي الحالة التي تكونين عليها عندما تقررين الكتابة؟

ـ أشعر بأنني مكهربة, مثل بطارية مشحونة ستنفجر اذا لم تطلق شاراتها .. أحس انني مشدودة كوتر عود عباسي, وممتلئة بإحساس سديمي يبحث عن كلمات .. أحس بما يشبه العذاب حينما تكون الفجوة عميقة بين الفكر واللغة .. ومن الصعب جدا الجزم فيما كان العمل الفني عندي يبدأ كفكرة عادية, أو يطرح نفسه مباشرة كشخصيات ووقائع, انني اكتسب بعض قصصي فيما يشبه النوبات العاصفة التي لا تستغرق أكثر من جلسة واحدة محمومة, لكني اعرف جيداً ان الأمر ليس بهذه البساطة, وان العاصفة الهوجاء السريعة كانت تعد لنفسها, ربما طيلة أعوام.

* ما رأيك في التناول الفكري الثقافي للاحداث في أعمال الروائيين الكبار؟


ـ للفنان حق اختيار مادته وابطاله, شرط أن يكتب رواية مبدعة تكون فعل محبة على الصعيد الكوني, وهي بالتالي تنصف القيم الاجتماعية, وأنا لا أصنف الروايات من حيث مهنة ابطالها: مثقف, فلاح عامل, بحار, ثري, فقير, لكنني أصنفها من حيث هي مبدعة أو غير مبدعة.

حرية المرأة.. والحب * كيف تنظرين إلى حرية المرأة؟


ـ حرية المرأة كالحب, لا مفر من ان تطهى على نار هادئة. والخطوة الأولى تكون بتأدية الواجبات قبل المطالبة بالحقوق, وبدون تضحية جيل من النساء, لن تنال المرأة العربية لقمة من رغيف المشاركة في الحرية والمسئولية معا. واعتقد ان اختي العربية في بعض تجمعاتها (التحريرية) مشغولة بالمثالي أكثر من الواقعي, انها تريد حريتها لتصنع بها انسانيتها وقدرها, ولتشارك في بناء وطن عربي هو بحاجة إلى طاقاتها.

ولكنها تنسى أحيانا سطوة الاعراف غير المكتوبة في المجتمعات كلها, وتنسى معركتها الأخرى مع رؤيا اجتماعية لها جذور عمرها مئات السنين, وتتصرف مع الرجل العربي بمماحكة, وهكذا وحتى لو فرضنا جدلا ان المرأة العربية استطاعت تبديل القوانين لصالحها فإن أشياء كثيرة جوهرية لن تتغير فالقضية ليست بندا يشطب وآخر يدون على ورقة بل هي أيضا قضية التعامل مع حالة ذهنية قائمة ومتماسكة ومتحجرة وليست ــ غالبا ــ لصالح حريتها. بهذا المعنى أجد كل كتابة نسائية (استفزازية) خطوة بريئة ولكن إلى الوراء, لأنها تثير لدى المجتمع المزيد من المخاوف الالغامضة.


* وقفت في كتاباتك عند تجربة المطربة فيروز.. دون التطرق إلى تجارب أخرى غنائية في عصرنا.. لماذا؟


تمس فيروز دائما وترا حساسا لدى سامعها, ربما لأن كل ما تقوله يشع بالمحبة والغفران حتى نحو الذين يخططون لايذائها عمدا أو حماقة أو مصلحة أو حسن نية. فيروز واحدة من الذين غرسوا عشق الوطن في النفوس بأغانيها وسلوكها والتصاقها بأرض الوطن. ولا تكتمل زيارتي إلى بيروت بدون زيارة فيروز.

انهم يقصون رقبة الحرف * في النصف الأول من التسعينيات اثارت الصحافة موضوع منع كتبك في بعض البلاد العربية, ماذا تقولين حول هذا الموضوع؟ ـ على الرغم من زوال أكثر حالات المنع إلا انني اذكر في بداية عام 1994 انني توجعت كثيرا, بدل الفرح, حيث شاهدت روايتي (بيروت 75) تصدر بالفرنسية وكلمتني مترجمتي الأمريكية لتعلمني باتجاهها للترجمة الانجليزية, والأخرى الايطالية كذلك. هذا كله حدث عندما كان الكتاب ممنوعا في معظم الأقطار العربية, وكان في طبعته الثانية الألمانية كما (كوابيس بيروت) الممنوعة انذاك في أكثر من قطر عربي بينما صدرت طبعتها الثالثة في ألمانيا وهذا مجرد مثال صغير من عشرات الأمثلة الالتي لا يتسع المجال لتفصيلها.

*هل هو على الهامش؟

ـ هناك من يقول ان موقع الأديب ومعه الأدب مهمش في هذه المرحلة. مهمة المبدع الأساسية هي خدمة الحقيقة والحرية ومقاومة الاضطهاد ورفض الكذب والتعبير عن الحاجات الحقيقية للجماهير واستشفاف المستقبل.

وفي المرحلة الحرجة التي يمر بها وطننا العربي, وضمن مسيرة الجماهير في حقل الألغام التي يزرعها أعداء الشعب, والقنابل الأمريكية المحرقة التي قد تمطر على رؤوسنا في أي لحظة, حين يضغط طيار اسرائيلي زر الدمار نجد موقع الأديب العربي المعاصر هو نفسه موقع الجماهير وهو الملتصق بها حنجرة ونبضا وثورة ونزفا, وهو يعايشها في خندق التعبئة والقلق المصيري.

لابد للأديب في هذه المرحلة ان يحفظ توازن رأسه, ان يحفظ التوازن بين اخلاصه للجماهير واخلاصه لفنه, وان يصل إلى الصيغة الصعبة التي لا يتضارب فيها الاخلاصان وانما يتكاملان ويتوحدان لينتجا أبدا ثوريا عالميا تستفيد منه كل الشعوب المناضلة في كل العصور.

* هل أنت سعيدة؟


ـ لست غبية بما في الكفاية لأكون سعيدة.. كيف تستطيع ان تكون سعيدا بينما الدم يغسل وجه العالم, والجوع والمرض والعذاب؟


* ما الفرق بين غادة السمان ابنة الثامنة عشرة وبين غادة السمان اليوم؟

ـ في الثامنة عشرة كانت تعيش مع أوهامها الجميلة تحاول السباحة داخل مجرة, وتريد ولا تريد داخل لحظة واحدة, وهذه حال غادة السمان اليوم.

* يقول البعض ومنهم الشاعر محمود درويش انه يكتب عن الحب عندما لا يراه ولا يحسه, هل تكتبين عن المفقودات في هذه الحياة؟


حين نعيش الأشياء قلما نكتبها.. قد نفعل بعد ان نخسرها ونحلم بها, فنحن غالبا نكتب ما ينقصنا.. الامتلاء اكتفاء .. نعم.. والخواء حضور جائع إلى الخبز, ولهذا فأنا اتفق إلى حد بعيد مع محمود درويش, والجوع إلى الحب قد يمنحنا قصائد أجمل من تلك التي نسطرها في لحظات السعادة, أنا شخصيا لم أسمع بشاعر كتب ديواناً في الغزل, خلال شهر العسل.


بين الأدب والعلم *خلال القرن العشرين المنصرم ظهرت طفرات متتالية ومهمة في ميادين العلم (جيل جديد من الحاسوب مثلا كل بضعة أشهر) وفي الفضاء والطيران وعلم الجينات والاستنساخ والكيمياء ومليون مجال آخر, في حين لم يشهد الأدب في القرن العشرين أعمالا ضخمة متميزة مثل الكلاسيكيات التي قرأناها في القرن التاسع عشر, أو حتى ما قبله بماذا تفسيرين هذا؟


ـ لا أوافقك على هذا. ولا أظن ان القرن العشرين لم يشهد أعمالا أدبية متميزة, ولكن من شميتنا كبشر ان نحتفي بالماضي ونرفض الحاضر, وهذا أمر ليس رديئا كله لأنه مهماز للمستقبل.

وبوسعي ان أحصي لك عشرات الأعمال الأدبية الرائعة التي خلفها القرن العشرين لقرننا الجديد وما بعده. لقد أودع الخالق العظيم في الانسان بذرة تجاوز الذات على كل صعيد, في العلم والأدب معا, وغير ذلك من المجالات, والمهم ان يختار المرء توظيف ذلك لخير البشر, بدءاً بالاستنساخ العلمي ومروراً بالقراءة ولكل زمان اعماله الابداعية المتميزة على كل صعيد وهي بالتأكيد تغاير ما سلف لكنها لا تقل عنه اشعاعاً.

* كيف تقابلين النقد, أو التهجم على أدبك أو شخصك؟


ـ احترم النقد الموضوعي, وقد ألفت الهجوم والتهجم علي منذ بداياتي الأدبية ولو صدقت بعض ما كتب عني لتوقفت من زمان عن الكتابة ولكن الهجوم لم يخلخل عالمي الداخلي يوما.

* نحن نعلم انك مداومة على ممارسة الرياضة, ما هي الرياضة المفضلة لديك؟ ـ أمارس رياضة الصبر لكل النساء العربيات, ومنذ عام 1967 أمارس رياضة التنهد بوتيرة متصاعدة, هذا إلى جانب الرياضات التقليدية كالسباحة والمشي وركوب الدراجة والتمارين السويدية في البيت.


* أنت بالأصل كاتبة سورية, وحصلت على الجنسية اللبنانية, وأيضا الفرنسية كما نعلم, ماذا أنت بعد هذا: سورية أم لبنانية أم فرنسية؟


ـ أنا كاتبة عربي
  رد مع اقتباس
إضافة موضوع جديد  إضافة رد



ضوابط المشاركة
لافيك تكتب موضوع جديد
لافيك تكتب مشاركات
لافيك تضيف مرفقات
لا فيك تعدل مشاركاتك

وسوم vB : حرك
شيفرة [IMG] : حرك
شيفرة HTML : بليد
طير و علّي


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 14:31 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون
Page generated in 0.40469 seconds with 12 queries